[ ص: 51 ] مسألة ، إذا علم أنه لا يختار إلا الصواب ويكون قوله إذ ذاك من جملة المدارك الشرعية ، ويسمى ( التفويض ) ، قاله يجوز أن يقال لنبي أو مجتهد : احكم بما شئت من غير اجتهاد فهو صواب ، أي فهو حكمي في عبادي القاضي في التقريب " وتبعه جماعة منهم إلكيا وابن الصباغ ، وقال : إنه قول أكثر أهل العلم . قال القاضي : وقال أكثر المعتزلة : لا يجوز ، بناء على رأيهم أن الشرع مبني على المصالح ، وقد لا يكون في اختياره مصلحة . وقال الشريف المرتضى في الذريعة " : الصحيح السماع ، ولا بد في كل حكم من دليل لا يرجع إلى اختيار الفاعل . وقال : خالف في ذلك وقال : لا فرق بين أن ينص له على الحكم وبين أن يعلم أنه لا يختار إلا ما هو المصلحة ، فيفوض ذلك إلى اختياره . انتهى . وقال موسى بن عمران في أصوله " : الصحيح أنه لا يجوز ذلك إلا بطريق الاجتهاد . والثالث : وبه قال أبو بكر الرازي أبو علي الجبائي في أحد قوليه : يجوز ذلك للنبي دون العالم ، ذكر ذلك في قوله تعالى : { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } قال : ثم رجع عن هذا القول . وهذا القول اختاره أبو الحسين ابن السمعاني . [ ص: 52 ]
قال : وقد ذكر في الرسالة " ما يدل عليه . وقال الشافعي في المعتمد " : ذكر أبو الحسين في الرسالة ما يدل على أن الله تعالى لما علم أن الصواب يتفق من نبيه جعل له ذلك ، ولم يقطع عليه بل جوزه وجوز خلافه . وقال صاحب المصادر " : ذكر الشافعي ما يدل على الجواز ، فإنه قال فيها : الحكم يثبت بالوحي ، أو بأن ينفث في روعه . وكأنه يشير بذلك إلى خاطر يلقى إليه ، أو باجتهاد ، أو بأن يوفق في الحكم . قال : وهو مذهب الشافعي بعينه . وقد ردوا عليه بأنه لا بد في الشرعيات من دلالة مميزة للصلاح من الفساد ، واختيار المكلف لا يصلح أن يكون مميزا . وقال موسى بن عمران ابن الصباغ في العدة " : حكي عن أنه قال في كتاب الرسالة " : إن الله تعالى لما علم أن الصواب يتفق من نبيه جعل ذلك إليه . ولم يقطع بذلك قال : وهذا لا يجيء على قول الشافعي ، فإن مذهبه أن الحق واحد نصبت عليه أمارة . الشافعي
ويحتمل أنه أشار بذلك إلى أنه جعله إليه بالاجتهاد لما علم أن الصواب يتفق معه وحينئذ يجب اتباعه مطلقا ، بخلاف غيره من المجتهدين . انتهى . وزعم الآمدي والرازي أن تردد في الجواز ، وقال غيرهما : بل في الوقوع مع الجزم بالجواز ، وهو الأصح نقلا ، وهو المختار إن لم يقع نقلا . وصرح الشافعي القاضي في التقريب " بالجواز وتردد في الوقوع . قال ابن دقيق العيد : محل الخلاف في هذه المسألة إنما هو في الحكم بالرأي من غير نظر في مستنداته الشرعية ، وإلا كان اجتهادا جائزا للعلماء من غير خلاف والنبي صلى الله عليه وسلم على قول . وهي المسألة الآتية في الاجتهاد . وقال ابن السمعاني : هذه المسألة وإن أوردها متكلمو الأصوليين فليست بمعروفة بين الفقهاء ، وليس فيها كبير فائدة ، لأن هذا في غير الأنبياء لم يوجد ، ولا يتوهم وجوده في المستقبل ، فأما في حق النبي صلى الله عليه وسلم فقد وجد ، وسبق في كلام آخر يتعلق بهذه المسألة ، عند الكلام في أن الأحكام لا بد لها من علة .