المبحث السابع
وأخذ الرهن عليه رهن الناظر للوقف،
: يطلق على معان، منها : الدوام والثبوت، ومنه قولهم : نعمة راهنة، أي: ثابتة دائمة، ويطلق ويراد به : الحبس واللزوم، ومنه قوله تعالى : الرهن لغة كل امرئ بما كسب رهين أي: محبوس حتى يخرج من حقوق الله عليه.
: توثقة دين بعين أو بدين يمكن أخذه منه إن تعذر الوفاء من غيره . وفي الاصطلاح
وفيه مطلبان:
المطلب الأول
رهن عين الوقف
صورة المسألة : أن يقترض قرضا، أو يشتري مبيعا بثمن مؤجل، فتجعل العين الموقوفة رهنا بهذا الدين .
فلا يخلو هذا من أمرين:
الأمر الأول: أن تكون الاستدانة لصالح الوقف فيجوز; لما تقدم قريبا [ ص: 96 ] من صحة الاستدانة على الوقف للمصلحة، فيصح الرهن تبعا; لأنه فرع لصحة الاستدانة التي هي الأصل.
الأمر الثاني : أن تكون الاستدانة لغير صالح الوقف .
فاختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنه لا يصح رهن عين الوقف.
وبهذا قال الإمام في رواية عنه، وبها أخذ أصحابه، أبو حنيفة والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: يصح رهن العين الموقوفة بناء على صحة الرجوع في الوقف، وأنه ملك للواقف.
وبهذا قال الإمام في رواية عنه. أبو حنيفة
الأدلة :
أدلة القول الأول: (عدم الصحة) :
استدل لهذا الرأي بالأدلة التالية :
1- سائر الأدلة الدالة على لزوم الوقف، وعدم جواز الرجوع فيه، [ ص: 97 ] ومنها: حديث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه : لعمر ". "تصدق بأصله لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث
وجه الاستدلال: أن هذه الأدلة دلت على عدم جواز الرجوع في الوقف، ورهن العين وسيلة إلى الرجوع في الرهن وإبطاله; لأن الغرض من الرهن بيعه عند حلول الدين، وعدم السداد.
2- أن مقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه عند التعذر، وما لا يجوز بيعه كالوقف لا يمكن فيه ذلك، فلا يجوز رهنه.
3- أن رهن الوقف يلزم منه تعطيله بحبسه عند المرتهن، وهذا خلاف مقصود الواقف، فلا يجوز.
دليل القول الثاني: (صحة رهن الوقف) :
استدل لهذا الرأي بما يلي:
الأدلة الدالة على عدم لزوم الوقف، وجواز الرجوع فيه .
وجه الدلالة: أنه يصح للواقف لأن ملكه لا يزول عن العين الموقوفة وإذا جاز الرجوع جاز له البيع، ومن ثم جاز الرهن; لأن ما جاز بيعه جاز رهنه . الرجوع في الوقف;
ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم بعدم زوال ملكية العين الموقوفة عن ملكية الواقف، بل تزول بمجرد الوقف، فلا يصح له الرجوع، وبناء عليه لا يجوز البيع ومن ثم الرهن .
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بعدم صحة رهن الوقف ; [ ص: 98 ] لما تقدم من لزوم الوقف، وعدم الرجوع فيه، وأن ملكه خرج عن الواقف إلى الله تعالي.