الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في عقد أهل الكفر للنكاح]

                                                                                                                                                                                        عقد أهل الكفر النكاح عقد يلزم كل واحد منهما بعد الإسلام الوفاء به، أسلما قبل الدخول أو بعده، فإن أرادت الزوجة الذهاب، وقالت: لا يلزمني ما عقدت على نفسي في حال الكفر، لم يكن ذلك لها.

                                                                                                                                                                                        وإن أحب الزوج قبل الدخول ألا يدفع نصف الصداق ويرفع يده عنها لم يكن ذلك له، ولها أن تطلبه بنصف الصداق.

                                                                                                                                                                                        وإن رضيا بترك المطالبة بالعقد المتقدم لم يترك إلا بطلاق، وسواء كان العقد صحيحا أو فاسدا أو زنى وتماديا قبل الإسلام على وجه النكاح، أو تزوجها في العدة، أو نكاح متعة، ثم ثبتا عليه بعد انقضاء العدة، وبعد ذهاب الأجل في المتعة، وقبل الإسلام.

                                                                                                                                                                                        فإن أسلم على أختين كان له الخيار أن يحبس إحداهما، وليس لها أن تأبى منه، ويلزمها ذلك بالعقد المتقدم، ولا يراعى الأولى منهما، ولا كون العقد واحدا أو مفترقا؛ لأن ذلك من باب الصحة والفساد، وذلك حق الله تعالى.

                                                                                                                                                                                        وما عقد في حال الكفر لم يخاطبا فيه حينئذ بذلك، ولم يكن له أن يتمسك بهما جميعا؛ لأن ذلك مما لا يصلح التمادي عليه في الإسلام.

                                                                                                                                                                                        وإن أسلم على عشر نسوة؛ كان له أن يمسك أربعا، ولا خيار لمن أحب إمساكها منهن، وذلك لازم لهن بالعقد المتقدم، ولا يراعى أيضا هل كان ذلك [ ص: 2124 ] في عقد واحد أو مفترقا؟

                                                                                                                                                                                        والأصل في ذلك حديث فيروز الديلمي قال يا رسول الله: أسلمت وتحتي أختان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اختر أيتهما شئت" ذكره الترمذي. وحديث غيلان الثقفي أسلم وعنده عشرة نسوة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذ منهن أربعا، وفارق سائرهن" فلو كان عقد الكافر كلا عقد، لم يخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - في إمساك أربع، ولوجب استئناف النكاح بولي وصداق إذا رضيا ولم يعتبر الأوائل من الأواخر؛ لأنه من باب الصحة والفساد؛ لأنهم لم يكونوا مخاطبين حينئذ.

                                                                                                                                                                                        وأما الحرمة فلا يختلف أنهما الآن في الإسلام مخاطبون بما كان من الإصابة في حال الكفر، فإن أصاب امرأة في حال الكفر حرمت على آبائه وأبنائه في الإسلام، وحرمت عليه أمهاتها وبناتها، وإن أصاب امرأة وأمها في حال الكفر، ثم أسلموا حرمتا عليه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يصبها أو أصاب إحداهما، فقال في "المدونة": إن لم يصبها، كان بالخيار يحبس أيتهما أحب، وإن أصاب إحداهما أمسكها وفارق [ ص: 2125 ] الأخرى.

                                                                                                                                                                                        وقال غيره: يفارقهما جميعا، وإن لم يصبها ثم يتزوج الابنة إن شاء.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في "كتاب محمد": إن لم يصب واحدة منهما حبس الابنة، وإن أصاب الأم حرمتا جميعا عليه. وقاله مالك في "كتاب ابن حبيب".

                                                                                                                                                                                        وأجاز ابن القاسم إن لم يصب الابنة أن يمسك الأم.

                                                                                                                                                                                        ورأى أن النظر في ذلك من باب الصحة والفساد، ومنع ذلك مالك، وأشهب، وابن حبيب، والغير في "المدونة" فحرموا الأم بإسلامها على البنت؛ لأن نكاحها في الحكم حكم النكاح الصحيح، لما كان لو انفردت لم يكن فيه خيار، وكان لكل واحدة منهما مطالبة الأخرى بالعقد الأول.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول بتحريم الأم إذا لم يكن دخل بواحدة منهما، هل له أن يمسك الابنة من غير فسخ أو يفسخ النكاحان، ويستأنف عقد الابنة؟

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في "كتاب محمد" في كتابي أو مجوسي تزوج امرأة، فلم يمس حتى مات أو فارق في شركه، فلا تحرم بذلك على آبائه وأبنائه المسلمين، وليس ذلك بنكاح حتى يسلموا عليه، وليس عقد الشرك دون الوطء يوجب التحريم إذا أسلم في أم من كان نكح، ولا تحرم على آبائه [ ص: 2126 ] وأبنائه، وقاله ابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وذكر لنا عن أشهب أنه قال: تحرم الأم بعقد الشرك في البنت وتحرم على آبائه وأبنائه.

                                                                                                                                                                                        قال: وفي قول أشهب: لو فارق زوجته في شركه قبل أن يمس، ثم نكحها أبوه أو ابنه، ثم فارقها أو مات عنها، ثم نكحها الأول، وأسلم وهي تحته، فإن كان الثاني مسها حرمت عليهما، وإن لم يمس ولا تلذذ ثبتت عند الأول؛ لأن نكاح الثاني لو أسلم عليه لم تقر عنده ولا يضر إلا بالمسيس.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأن عقد الثاني فاسد، ويلزم على قول أشهب هذا الآخر أن يقول إذا تزوج أما وابنتها، أو أختين، أو أكثر من أربع نسوة، ثم أسلم - أن يلزم العقد الأول، ويفسخ الثاني.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية