الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أقسام مسكن المعتدة]

                                                                                                                                                                                        لا يخلو المسكن الذي تعتد فيه من ثمانية أقسام: إما أن يكون: مسكنا للزوج، أو بإجارة، أو عارية، أو حبس، أو ملكا للزوجة، أو استأجرته، أو يكون الزوج أميرا أو قاضيا سكن من أجل ما كان يقوم به من أمور المسلمين ثم عزل أو مات.

                                                                                                                                                                                        فإن كانت في موضع يملكه الزوج كانت أحق به حتى تنقضي عدتها، وسواء كانت العدة من طلاق أو وفاة، وإن كان على الزوج دين بيع للغرماء، واستثني مدة العدة، وكذلك إن لم يكن دين وأحب الورثة البيع.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت عارية أو حبسا وضرب فيها أجلا، كانت أحق بذلك المسكن حتى تنقضي العدة أو الأجل، وإن انقضى الأجل قبل العدة كان لصاحب [ ص: 2262 ] المسكن أن يخرجها، وإن كانت العدة عن طلاق كان على الزوج أن يكتري لها بقية العدة، وسواء كانت العدة عن طلاق رجعي أو بائن أو كان موسرا، وإن كان معسرا لم يكن عليه شيء إن أيسر بعد ذلك، وإن كانت العدة عن وفاة فأخرجها أهل المسكن، لم يكن لها في ذمة الميت شيء، موسرا كان أو معسرا.

                                                                                                                                                                                        وإن كان المسكن بإجارة، ونقد الزوج الكراء كانت أحق بذلك في الفلس والموت، وإن لم يكن نقد الكراء، افترق الجواب، فإن كانت العدة من طلاق وهو موسر، كان عليه أن ينقد وتسكن.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت العدة من وفاة، فقال مالك: لا شيء لها في مال الميت، وإن كان موسرا، ولكن تكتري من مالها، قال: وإن كانت في عدة من طلاق بائن ثم مات الزوج قبل أن ينقد؛ نقد من ماله وكانت أحق به، قال: وهذه مخالفة للمتوفى عنها زوجها؛ لأنه حق واجب لها عليه في حياته فلا يضعه عنه موته، والمتوفى عنها وهي زوجته إنما وجب لها الحق في مال الميت بعد موته وهي وارثته، وروى ابن نافع عنه أنه قال: هما سواء؛ طلق [ ص: 2263 ] ثم مات أو مات ولم يطلق.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الحسن بن القصار: والقياس عندي أن سكنى المتوفى عنها في ذلك لا تجب؛ لأنه بالموت يزول ملكه، وبعد الموت تجب العدة.

                                                                                                                                                                                        قال: وقد روى ابن نافع عن مالك في المطلقة يكون لها السكنى ثم يموت الزوج في العدة أن السكنى تسقط بموته كما تسقط نفقة الحمل بموته. وهذه الرواية تؤيد ما ذهب إليه أن لا سكنى للمتوفى عنها جملة؛ لأنه إذا سقطت السكنى بالوفاة مع تقدم الطلاق كان إذا وجبت العدة بالوفاة من غير طلاق أولى ألا يكون لها شيء، وقد ذكر ابن خويزمنداد ذلك عن مالك أنه قال مرة: لا سكنى للمتوفى عنها.

                                                                                                                                                                                        والأول أولى، لحديث الفريعة، وذلك إذا تقدم الطلاق ولم ينقد، أو وجبت العدة بالوفاة ولم ينقد فإنها أحق بجميع ذلك: لأن المسكن للمتوفى بنفس عقد الكراء، وإنما مات وفي ذمته مال فليس السكنى من باب الوصايا فتسقط بالموت. [ ص: 2264 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كانت في عدة من طلاق رجعي، ثم مات قبل أن ينقد سقطت عدة الطلاق، وانتقلت إلى عدة الوفاة، ثم يختلف هل تكون أحق بذلك المسكن.

                                                                                                                                                                                        وإذا قام عليه الغرماء وكان المسكن ملكا له بيع واستثني مدة العدة، وسواء كانت في عدة من طلاق أو موت، وإن كان المسكن بكراء أو نقد كانت أحق بذلك الكراء بقدر العدة، وبيع الباقي للغرماء، وإن لم يكن نقد، وكانت في عدة من طلاق كان المكري بالخيار بين أن يأخذ مسكنه، أو يسلمه فتكون الزوجة أحق به، ويضرب المكري مع الغرماء فيما سواه، وإن كانت في عدة من وفاة لم يكن المكري أحق به ولا الزوجة، وبيع للغرماء، والمكري أحدهم، وإن لم يكن له غرماء بيع له، ولم يكن له أن يأخذه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية