الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن قال لزوجته: أنت علي حرام، أو قال: الحلال علي حرام، أو ما انقلب إليه حرام، أو ما أعيش فيه حرام وما أشبه ذلك

                                                                                                                                                                                        ومن قال لزوجته: أنت علي حرام، أو قال: أنت حرام، ولم يقل: علي، أو قال: الحلال علي حرام كانت طالقا، ولو قال: علي حرام، ولم يقل: أنت، أو قال: الحلال حرام ولم يقل: علي، لم يكن عليه في ذلك شيء.

                                                                                                                                                                                        واختلف في أربعة مواضع:

                                                                                                                                                                                        أحدها: إذا قال: أردت بقولي علي حرام الظهار.

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا أراد الطلاق فما يلزمه من عدده.

                                                                                                                                                                                        والثالث: إذا قال: لم أرد طلاقا، وإنما أردت أن أهددها بذلك.

                                                                                                                                                                                        والرابع: إذا حرم شعرها أو كلامها.

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: إذا قال: أردت بقولي: أنت علي حرام الظهار لا تنفعه نيته وهو طلاق.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في العتبية: لا يعجبني ذلك، ورأى أنه ظهار، وهو أحسن [ ص: 2737 ] إذا لم تكن عليه بينة، أو كانت عليه بينة، وقال في نسق قوله ذلك: أردت الظهار فقوله لأن تحريم الزوجة يصح بهذين الوجهين: بالظهار والطلاق، فإذا قال أردت أحدهما صدق، وقال يحيى بن عمر في المنتخبة: تطلق عليه، فإن تزوجها بعد لم يقربها حتى يكفر كفارة الظهار. وهذا جواب من أشكل عليه الأمر هل يكون ظهارا أو طلاقا، فأمره بالأحوط وأن يمتثل الوجهين؟.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أراد الطلاق فيما يلزمه من عدده، فقال مالك وابن القاسم: هو ثلاث قبل وبعد، وينوى أنه أراد واحدة قبل البناء ولا ينوى بعد.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك في المبسوط: هو ثلاث، ولا ينوى قبل ولا بعد. وقال أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم: هو في التي لم يدخل بها واحدة، وللمدخول بها ثلاث. وذكر ابن خواز منداد عن مالك أنها واحدة بائنة، وإن كان مدخولا بها.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد العزيز بن أبي سلمة في كتاب ابن سحنون: محمله على واحدة رجعية، والقول: إنها قبل الدخول واحدة حسن; لأنها بالواحدة حرام، وإذا كان ذلك الاسم يقع عليها بواحدة لم يلزمه أكثر منها. وأما بعد البناء فتلزمه الثلاث; لأنها بها تحرم، إلا على القول أنها تصح بواحدة بائنة، وإن لم يكن معها فداء. وذهب عبد العزيز إلى أن المطلقة تحرم حتى يحدث رجعة، وكذلك قال في التمليك والتخيير، وفي قوله: حبلك على غاربك يقول: إنها قد [ ص: 2738 ] ملكت نفسها وحرمت بالطلاق، والرجعة أمر يحدث بعد، وقاسه على قوله: طلقتك أو طلقت مني، وقد كان القياس إذا قال: طلقت مني ألا رجعة له فيها؛ لأن ما طلق من الإنسان لا شيء في يده منه، وإمساكها خلاف ما أعطاها، وكذلك قوله: فارقتك، يجعل الله -عز وجل- الرجعة نعمة منه، لما علم مما يدرك العباد من الندم بعد الطلاق.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا أتى مستفتيا وقال: أردت واحدة ألا يلزمه غيرها، وكان الزائد لفظا بغير نية، وعكسه لو أراد أن يقول: أنت حرام فقال: أنت طالق، يختلف، هل يلزمه ما نوى أو ما نطق به؟ وقد قال ابن القاسم فيمن أراد أن يقول: أنت طالق، فقال: ادخلي الدار فقد عوفي، فجعل الأمر إلى ما نطق به دون ما نوى، فكذلك لو أراد أن يقول: أنت طالق، فقال: أنت حرام.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن قال لزوجته قبل أن يبني بها: إن كلمت فلانا فأنت علي حرام، ثم كلمه بعد البناء، فقال سحنون في كتاب ابنه: إن كانت عليه بينة لم ينو؛ لأنها يوم الحنث ممن لا ينوى فيها. [ ص: 2739 ]

                                                                                                                                                                                        قال: وقال بعض أصحابنا إن علم ذلك منه قبل البناء لم يلزمه إلا طلقة، وله الرجعة. وهذا أبين، ولأنه يوم حلف كان ممن ينوى، ولا يلزمه الآن أكثر مما كان يلزمه يوم عقد اليمين، كانت عليه بينة أو لم تكن، وإن قال: الحلال علي حرام وقال: حاشيت زوجتي، صدق؛ لأنه لم يقل: أنت.

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف عن مالك: يصدق في المحاشاة، وإن كان استحلف في حق لاختلاف الناس في هذا اليمين، فإن كانت اليمين لغير ذلك لم تنفعه النية، واليمين على نية الذي استحلفه.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا قال: كل حلال علي حرام، فقال مالك: تدخل زوجته في ذلك، إلا أن يحاشيها بقلبه، وقال أشهب: لا تنفعه المحاشاة بقلبه، إلا أن يحاشيها بلسانه. والأول أحسن; لأن المحاشاة ما أخرج من الأول ولم يدخله الحالف في لفظه، والاستثناء ما أدخل في اليمين ثم رجع فقال أصبغ: فيمن استحلف غريمه بالحلال عليه حرام، فحلف وهو جاهل، يظن أن الطلاق لا يدخل في ذلك: فإنه يحنث، ولا ينفعه جهله، وهو من ألفاظ الطلاق بمنزلة الأعجمي يحلف بالطلاق ولا يدري ما هو ولا حدوده فيلزمه ما يلزم العالم. [ ص: 2740 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: أما من قال: إن اليمين على نية الحالف، وكان هذان يريان أن الزوجة غير داخلة في هذا اليمين فلا يلزمهما شيء إلا على القول بأن الطلاق يلزمه باللفظ من غير نية.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية