الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في مسائل في اشتراط القبض في السلم في غير بلد التبايع]

                                                                                                                                                                                        وإن اشترط المشتري الوفاء في بلد وكان الثمن معينا عبدا أو دنانير موقوفة، جاز البيع وإن لم يضرب الأجل، واستحب محمد في الدنانير أن يضرب أجلا ، ولا وجه لذلك; لأنهما في الأجل على وجهين: إن حل الأجل قبل الوصول لأمر عاقهما لم يجبر على القضاء من غير الغائب، وإن وصلا قبل الأجل، كان للبائع قبض تلك الدنانير، ولم يلزمه الصبر حتى يحل الأجل، وإن كان الثمن مضمونا وهو عين لم يجز إلا أن يضربا أجلا. [ ص: 3093 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان عرضا أو طعاما، فقيل: ذلك جائز، والمسافة كالأجل، وعلى المسلم إليه أن يخرج للقضاء فإذا وصل قضاه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في سماعه عن مالك: سئل مالك عن ذلك، فقال: أحال هو؟ فقيل: نعم، قال: لا بأس به. ولم يجعله على الجواز بمجرد العقد، وقال فضل: الدنانير والعروض سواء، فإن لم يضربا أجلا فهو فاسد. وهو أحسن; لأن السلم يحتاج إلى أجل يقبض عنده، وموضع يقبض فيه، فإذا ذكر الموضع بقي الأجل، وذكر الموضع لا يفهم منه الأجل.

                                                                                                                                                                                        وقد استحب مالك فيمن باع بدنانير غائبة أن يضربا الأجل، فهو في السلم أولى، وإذا ضربا الأجل فبقي من الأجل قدر مسافة الوصول، كان على الغريم أن يخرج للقضاء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا وكل وكيلا للقضاء: فأجازه ابن القاسم . ومنعه سحنون، وقال: لا أعرف الوكيل في هذا; لأنه لا يستطيع أن يتحول بما له من الطعام.

                                                                                                                                                                                        وقول ابن القاسم أصوب; لأنه إنما يخرج على أنه وكيل، والوكالة تضمنت بقاء الدين في ذمة الأول، وليس بحوالة، فيدخله دين في دين، وإن خرج على أنه وكيل وحميل جاز; لأن الطالب له ذمة غريمه وذمة الحميل، والحمالة بما لم يحل جائزة، ويسقط مقال الطالب بخروج الوكيل إذا كان يدفع إليه من المال ما يوفي بالدين في الغالب، أو كان للغريم بذلك الموضع ما يوفي به [ ص: 3094 ] ولا يحتاج فيه إلى خصومة، وإلا لم يجز، إلا أن يتحمل الوكيل بالقضاء ويكون موسرا بذلك، أو يأتي بمن يتحمل به إلى ذلك البلد، فإن حيل بين الناس وبين ذلك البلد لفساد طريق أو لعدو أو فتنة ولا يرجى قرب انكشافه، كانت على الخلاف فيمن أسلم في ثمرة فخرج وقتها هل يلزم الصبر إلى انكشاف ذلك أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون بالخيار بين الصبر أو يأخذ رأس ماله، وإن أراد أن يأخذ الثمن الذي كان يشتري به في ذلك البلد، جاز على قول أشهب إذا كان السلم في عروض، وإن كان في طعام لم يجز، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه.

                                                                                                                                                                                        وإن رضي الطالب أن يقبض ببلد هو قريب من البلد الذي شرطا والسعر سواء وهو في هذا أرخص كان ذلك له.

                                                                                                                                                                                        وإن كان بالبلد الذي هما فيه فقال الغريم: خذ حقك، وقال الطالب: لا أقبضه; لأني إن قبضته هلك، يجبر على قبضه، وكذلك إن كان على الطالب طلب من سلطان، فإن قبضه أخذه السلطان، وإن لم يقبضه أغرمه المطلوب، كان من حق الغريم أن يبرئ ذمته منه فيكون الغصب على الطالب.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية