الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الكتابة على الغرر وعلى ما في ملك فلان

                                                                                                                                                                                        والكتابة على الغرر جائزة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم واحد" ، فأجاز أن يسعى ويتكلف المدة الطويلة ، فإن عجز عن آخر نجم كان عبدا ، وقد تقدم أن مثل ذلك لا يجوز في البيوع أن يبيع سلعة مناجمة ، فإن لم يوف كان المنتقد من الثمن والسلعة للبائع ، ثم لا يخلو الغرر من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                        إما أن يكون في ملك العبد ، أو في ملك السيد ، أو في ملك غيرهما .

                                                                                                                                                                                        فإن كان في ملك العبد فكاتبه على عبد له آبق أو بعير شارد أو جنين في بطن أمه أو ثمر لم يبد صلاحه- جاز ذلك ، وكره ذلك أشهب في كتاب محمد ابتداء ، فإن نزل مضى ، والأول أحسن ; لأنه قد كان للسيد انتزاع ذلك من عبده ، وأن يجبره على طلبه من غير كتابة ، فإذا جعل له بذلك العتق فقد تفضل عليه . [ ص: 3964 ]

                                                                                                                                                                                        وأجاز ابن القاسم في العتبية أن يكاتبه على أن يأتيه بعبده الآبق أو بعيره الشارد ، وهذا أحسن ، والوجه فيه ما تقدم; لأنه وإن كان ذلك ملكا للسيد ، فقد كان له أن يجبره على طلبه من غير كتابة ، ويجوز أن يقول : أكاتبك على أن تغرس لي هذه الأرض بهذا الودي -بودي للسيد - فإذا بلغت فأنت حر .

                                                                                                                                                                                        واختلف في هذا الأصل هل هي كتابة فثبتت عند الفلس والموت ، أو عدة فيسقطها الفلس والموت؟

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن كاتب عبده على إن أعطاه عشر بقرات على أنها إن بلغت خمسين كان حرا ، هذه كتابة ، قال : ذلك جائز ، ولا يفسخ ما جعل له إن رهقه دين ، وعلى هذا لا تسقط الكتابة بالموت .

                                                                                                                                                                                        وأجاز في العتبية فسخ ذلك إذا رهقه دين ، وقال : إن مات السيد فلا حرية له .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن ميسر : ليست بكتابة ، وأمضى ابن القاسم ذلك له في القول الأول على أحكام الكتابة لقصد السيد ، وأنه الوجه الذي أراد ، ورده في القول الآخر; لأن الكتابة في الحقيقة على ما يتكلف العبد من السعي . وهذه أشياء للسيد جبره على رعيها والقيام بها من غير كتابة .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كاتبه على معين في ملك غيره ، فقال : أكاتبك على عبد فلان [ ص: 3965 ] أو على داره ، فأجازه ابن القاسم . وقال أشهب : يفسخ إلا أن يشتريه قبل الفسخ .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : إن لم يشتره أدى قيمته .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن ميسر : لا يعتق إلا بعبد فلان ، وقول ابن القاسم : إن ذلك جائز أحسن .

                                                                                                                                                                                        والأمر في الكتابة أوسع من هذا إذا كان العبد يسعى فيما يشتري به ذلك العبد ، وإن كان العبد يملك ما يشتريه به ، كان ذلك أبين; لأنها كالوكالة من السيد ، وقد كان له أن يجبره على أن يشتريه له بذلك المال من غير كتابة .

                                                                                                                                                                                        وقول ابن ميسر ألا يعتق إلا بإحضار ذلك العبد أبين; لأن السيد لا يشترط ذلك إلا لغرض له فيه إلا أن يعلم أن ذلك كان لمبلغ ثمنه وغلائه ، وإن كاتب السيد عبده على قيمته ، جاز ، ويكون له الوسط مما يباع به نقدا ، ثم تنجم تلك القيمة على قدر ما يرى أنه يقوى عليه من النجوم ، ولا يقوم على التأجيل; لأن الأصل في القيم النقد ، ولأن النكرة إذا أضيفت إلى معرفة تعرفت بها ، فقوله : قيمته ، إشارة إلى قيمة معروفة .

                                                                                                                                                                                        وإن كاتبه على مائة دينار ولم يسم النجوم ، جاز ، ووضعت على ما يرى أنه يحضرها فيه ، وإن سمى النجوم ولم يسم ما يؤدي في كل نجم ، جاز ، وجعل عليه ما يرى أنه يستطيعه في تلك النجوم . [ ص: 3966 ]

                                                                                                                                                                                        ومنع ابن القاسم الكتابة على اللؤلؤ إذا لم يوصف .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : لا يفسخ ، ويكون من أوسط ما يكون بينهما ، وإن كاتبه على وصيف أو عبد ولم يصفه جاز ، وإن كان للسيد المعتاد من كسب الموضع من الحمران والسودان والوسط في الجودة من ذلك الصنف والوسط في السن إن قال وصيف ، فإن قال عبد كان الوسط ، لا شيخ ولا وصيف ، ويجعل له نجما واحدا . [ ص: 3967 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية