الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا حملت وهو موسر]

                                                                                                                                                                                        فإن حملت وهو موسر مضت للواطئ أم ولد، وكان عليه نصف قيمتها لشريكه.

                                                                                                                                                                                        واختلف متى تكون القيمة، فقال مالك: يوم وطئ. وقال أيضا: يوم حملت. وقال محمد: واختلف في ذلك فقيل: يوم وطئ، وقيل: يوم حملت، وقيل: يوم الحكم، وحكي عن مالك في موضع آخر: إنه بالخيار إن شاء يوم وطئ وإن شاء يوم حملت، وبه أخذ محمد؛ لأنه يقول: قد كان لي أن أقومها عليه يوم وطئ وإن لم تحمل، وكان لي أن أقومها عليه الآن يوم لا بد من تقويمها عليه.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه: لا يخلو أن تكون إصابة الشريك إياها مرة أو مرتين وبينهما طهر أو لا طهر بينهما، فإن لم يصبها إلا مرة واحدة كانت القيمة يوم الوطء، وإن كانت مرتين وبينهما طهر كان الخلاف في الوطء الأول راجع إلى [ ص: 4087 ] ما تقدم إذا لم تحمل، فعلى القول إن القيمة واجبة من غير خيار تكون القيمة اليوم الأول، وعلى القول إنها بالخيار يكون ها هنا بالخيار بين أن يقوم لأول يوم؛ لأنه قد كان ذلك له وإن لم تحمل، أو يسقط مقاله من أول يوم ويأخذه بالقيمة يوم حملت، وإلى هذا ذهب محمد في قوله: إنه بالخيار إن شاء يوم وطئ وإن شاء يوم حملت، وعلى قوله إذا تبين أنه لا حمل بها ليس له تقويم، وإنما له قيمة العيب -تكون له القيمة يوم حملت، ثم ينظر إلى أول يوم، فإن كانت بكرا كان له ما نقص، وإن كانت ثيبا لم يكن عليه شيء وهذا أقيسها.

                                                                                                                                                                                        واضطرب القول فيها إذا كان الواطئ معسرا في خمسة مواضع:

                                                                                                                                                                                        أحدها: هل يكون كالموسر ويجبر الشريك على التقويم، أو يكون بالخيار بين التقويم أو التمسك فينتفع بها؟

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا كان بالخيار فاختار التمسك هل يتبع الواطئ بنصف قيمة الولد ونصف ما نقصتها الولادة، أو لا شيء له من ذلك؟

                                                                                                                                                                                        والثالث: إذا اختار التقويم هل يكون له نصف قيمة الأمة ونصف قيمة الولد، أو نصف قيمة الأمة خاصة؟

                                                                                                                                                                                        والرابع: إذا ثبت التقويم هل يتبعه بذلك في الذمة فلا يباع له منها شيء أو تباع؟ [ ص: 4088 ]

                                                                                                                                                                                        والخامس: إذا كان البيع هل يباع له نصفها أو بقدر دينه؟ وإن كان أكثر من النصف، فقال مالك مرة: الأمة أم ولد للواطئ، ويتبع بالقيمة دينا كالموسر، ثم رجع، فقال: الشريك بالخيار إن أحب لم يقوم وأتبع بنصف قيمة الولد وإن أحب قوم وكان له نصف قيمتها ونصف قيمة الولد ويباع له نصفها خاصة فيما لزمه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا تماسك الشريك بنصيبه ولم يقوم أتبع بنصف قيمة الولد وبنصف ما نقصها الولادة، وذكر مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه بالخيار بين أن يتمسك ولا شيء له من نصف قيمة الولد وإن أحب قومها عليه وأتبعه في الذمة وإن أحب بيع له نصفها فلم يوجب على الواطئ في الولد شيئا قوم عليه الشريك أو أمسك.

                                                                                                                                                                                        وذكر سحنون قولا آخر: إنه إذا قوم أتبعه بالقيمة في الذمة ولم يجعل له أن يبيع ذلك عليه، وقال سحنون وأشهب: يباع عليه ما يوفي بالدين وإن كان أكثر من النصف لأنه يقول لا يكون بعض أم ولد وأن للواطئ أن يبيع الباقي إن أحب. [ ص: 4089 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية