الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في التسعير ومن حط السعر وأغلى أو أرخص

                                                                                                                                                                                        قال أنس: غلا السعر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا. فقال: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال". وهذا حديث حسن صحيح ذكره الترمذي في سننه.

                                                                                                                                                                                        والتسعير على وجهين: ممنوع وهو التسعير على الجالب وغيره، مما يباع على النداء وعلى مثل هذا محمل الحديث. والثاني: التسعير على الذين يبيعون في الحوانيت.

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يتركون على ما يبيعون به من غلاء، أو ينظر أشريتهم والربح المعتاد فيقصرون عليه، وقال مالك- في العتبية في السوق إذا أفسد أهله وحطوا من السعر: لا يسعر عليهم. يريد مثل أن يكون البيع رطل بدرهم فيبيعون نصف رطل وما أشبهه. وقال أيضا في صاحب السوق يقول للجزارين، ليشتروا على ثلث رطل بسعره عليكم من الضأن، وعلى نصف رطل من الإبل، وإلا فاخرجوا من السوق، فقال: إذا سعر عليهم على قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس، ولكن أخاف أن يقوموا من الأسواق. قيل له: إن [ ص: 4342 ] صاحب الجزار أراد أن يسعره على صاحب السفن قال: بئسما صنع. ففرق بين هذين؛ لأن أصحاب السفن يبيعون على النداء، فلا سعر عليهم بخلاف أصحاب الحوانيت.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلف بيع أهل السوق، في الصنف الواحد والصفة الواحدة، فإن كان الفريقان قريبا من السواء في الكثرة، لم يعرض للذين يبيعون برخص، وينظر إلى الذين أغلوا، وإن كان السعر الذي يبيعون به، هو القدر الذي يبيعون لو سعر عليهم، لم يعرض لهم وترك كل قوم على ما يبيعون، وإن كان فوق ما يسعر به جرت على القولين، فعلى القول بمنع التسعير لا يعرض لهم، وعلى القول الآخر يمنعون من ذلك، ويردون إلى بيع الذين أرخصوا، إلا أن يكون التسعير فوق ذلك ودون ما أغلوا، فيرد إلى ما يسعرونه وليس عليهم أن يرخصوا حسب ما فعل الآخرون، وإن أرخص الأكثر وأغلى الاثنان والثلاثة، منع الذين أغلوا وأمروا أن يبيعوا بيع الآخرين أو يقاموا، وسواء باعوا على ما يباع به لو سعر عليهم أو لا؛ لأن في ذلك غرورا على المشتري؛ لأن المشتري يظن أن ذلك هو السعر الذي يبيع به أهل السوق، ولو علم غيره لم يشتر عليه.

                                                                                                                                                                                        وإن أرخص النفر اليسير، وباع الآخرون على ما يباع به، على أثمان ما اشتروا به، لم يعرض لواحد منهم. وقال ابن حبيب في الزيت والعسل والسمن والبقل والفواكه وشبه ذلك، مما يشتريه أهل السوق للبيع على أيديهم: فينبغي للحاكم إذا أراد أن يسعر، أن يجمع وجوه أهل ذلك السوق، ويستظهر على صدقهم بغيرهم، فيسألهم كيف يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فإن رأى شططا نازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا به، وإن حط من ذلك قيل له: [ ص: 4343 ]

                                                                                                                                                                                        إما بعت بسعر الناس وإما رفعت، ويؤدب المعاند لذلك ويحرج من السوق. وأما جلب القمح والشعير وشبه ذلك من الأقوات، فلا يسعر عليهم، ولهم أن يبيعوا على أيديهم كيف شاءوا، وإن أرخص بعضهم تركوا إن قلوا، وإن كثروا قيل لمن بقي: إما أن تبيع مثلهم وإلا فارفع يدك؛ لأن فيه غرورا على المشتري. قال: وكذلك كل ما يوزن أو يكال، وإن كان لا يؤكل ولا يشرب، ولا يفعل ذلك في العروض، ولا فيما لا يكال ولا يوزن. [ ص: 4344 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية