الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في البيع على الوزن والكيل والجزاف

                                                                                                                                                                                        البيع في ذلك على ما اعتاده المتبايعان أو أهل ذلك الموضع من كيل أو وزن أو عدد أو قيس أو جزاف، فإن خرج من ذلك إلى ما يعرف قدره من المعتاد أو يقاربه جاز وإن خرج في بيعهما إلى ما لا يعرف قدره منه لم يجز، فأما تبر الذهب ونقار الفضة فيباعان وزنا وجزافا إذا كانت عادة في بيعه جزافا فإن لم يكن لم يجز.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب: وأما الدنانير فهي على قسمين: فأما القائمة والفرادى فيباع عددا ووزنا لأن وزنها معلوم، القائم تزيد حبة والفرادى تنقص حبة، فإذا جمعا في الوزن علم ما تضمن ذلك الوزن من العدد ولا يباع جزافا، وكذلك كل ما يباع عددا فلا يباع جزافا. وأما المجموعة فتباع وزنا ولا تباع عددا؛ لأن فيها النقص والزيادة، ومنع في كتاب الصرف من بيع الدنانير جزافا جملة هكذا، ولم يبين هل هي قائمة أو مجموعة.

                                                                                                                                                                                        وذكر أبو الحسن بن القصار عن مالك أنه قال: لا تباع الدنانير والدراهم جزافا على طريق الكراهية، يريد في الدراهم إذا كانت مجموعة فتباع وزنا.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في بيعها جزافا، وإن كانت تباع عددا مثل الدراهم الجائزة بين الناس في مكة أو المدينة فلا تباع وزنا ولا جزافا.

                                                                                                                                                                                        وأما الزيت والسمن والعسل فإن كان قوم عادتهم فيه الكيل لم يجز وزنا إلا أن يعلموا قدر الوزن من الكيل، وإن كانت العادة الوزن لم يجز كيلا إلا أن [ ص: 4477 ] يعلموا قدره من الوزن.

                                                                                                                                                                                        والعادة عندنا في الزيت الكيل، وبمصر الوزن، ووزن القفيز ثلاثة أرطال وثلث، فلا يباع عندنا وزنا إلا لمن عرف ذلك، ولا بمصر كيلا إلا لمن علم قدره من الوزن، وكذلك القمح والدقيق كيلا ولا يباع وزنا، ويجوز ذلك بمصر؛ لأن تلك العادة عندهم في الدقيق فيبيعونه وزنا، ويسلمون القمح إلى الطحان بوزن.

                                                                                                                                                                                        وأما الثياب فتباع عددا على القيس، ولا يجوز بيعها جزافا ولا بغير قيس إلا أن يكون قيس ذلك المتاع عندهم معلوما، وقد جرت العادة في أشياء أنها تباع على معنى الجزاف من غير قيس ولا وزن، فلا يجوز أن يباع على غير ذلك.

                                                                                                                                                                                        فمن ذلك الديار تباع عندنا بغير قيس، وإنما هي على المشاهدة، ولو قيل للبائع أو المشتري كم هي من ذراع ما عرفها، فلو أراد أن يتبايعاها على القيس ما جاز؛ لأنه غرر إن كثرت الأذرع كان فيها غبن على المشتري، ولو علم أنها تبلغ تلك الأذرع لم يشترها عليه، وإن قلت الأذرع كان فيها غبن على البائع، لو علم ما باع به، وعلى هذا لو كانت دار غائبة لم يشترها مذارعة إلا أن يعلم أن تلك الأذرع كيف تكون من الديار التي عليها بالمشاهدة، ومحمل قول مالك في إجازته بيع الدار مذارعة أن ذلك لعادة عندهم، وكذلك الأرضون العادة عندنا أنها تباع بغير قيس إنما يمشي فيها، ويشتري ما يتصورها من قدرها من الكبر وغيره، فيجوز ذلك لمن تلك عادته.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في الحطب: يسلم فيه قناطير؛ لأن تلك العادة عندهم بمصر أنه يباع وزنا. [ ص: 4478 ]

                                                                                                                                                                                        ولا يجوز ذلك عندنا؛ لأن العادة بيعه جزافا ولا يعلم كم وزنه ولا قدر ذلك الحمل من الوزن.

                                                                                                                                                                                        وأجاز مالك في كتاب محمد أن يباع الزيت والسمن في الزقاق على أن الزقاق داخلة في الوزن والبيع قال: لأن الناس قد عرفوا وزنها، وقاله في القلال: لو علم أنها في التعارف مثل الزقاق ما رأيت بها بأسا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه: أمرها واحد والزقاق أشد منها اختلافا، فزق الفحل أكثف وأوزن والخصي دونه، وهو أكثف من زق الأنثى، وإن ذهب بالزقاق ليفرغها كان القول قوله في ضياعه وإن كانت العادة أنه يفرغه قبل أن يذهب به فأذن له في الذهاب به ليفرغه لم يصدق في ضياعه بأنها عارية.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إن أتى بالظروف واختلفا، وقال البائع ليست بظروف فإن تصادقا على السمن ولم يغب وزن السمن، وإن فات كان القول قول المشتري؛ لأنه أبين وإن فرغ المشتري السمن، وترك الظروف عند البائع حتى يوازنه فيها كان القول قول البائع أنها الظروف التي كان فيها السمن.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: القول قول المشتري، والمدعي ها هنا البائع في وزن السمن أنه كثير، فيحلف المشتري أنه ليس في وزن السمن الذي قبض إلا ما ذكر ويبرأ.

                                                                                                                                                                                        والأول أبين لأن تركها عند البائع أمانة لتوزن وإذا بقيت الضروف [ ص: 4479 ] عند المشتري كان القول قوله مع يمينه وإن نكل حلف البائع على ما يقول من وزن سمنه وصفة ضروفه ويأخذ قيمة ما حلف عليه وإن كان السمن قائما وزن فإن وجد على ما قال البائع كانت أجرة الوزن على المشتري وإن وجد على ما قال المشتري كانت الأجرة على البائع.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية