الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في مدة الخيار]

                                                                                                                                                                                        مدة الخيار تختلف بقدر اختلاف الحاجة إلى الاختبار، قال مالك: في الثوب لا بأس أن يكون فيه اليوم واليومان، والجارية الخمسة الأيام والجمعة ينظر إلى خبرتها وهيئتها وعملها، والدابة: تركب اليوم وشبهه، ولا بأس أن يسير عليها البريد ونحوه ينظر إلى سيرها، والدار: الشهر وشبهه. وقال أشهب: في الدابة يسير عليها البريدين.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: أما الثوب فإن كان إنما يريد معرفة ذرعه فذلك بالحضرة [ ص: 4537 ] ويستخف أن يبين به لمثل ذلك ويرده من يومه أو كالغد، وإن كان مخيطا فذلك أبين أن يبين به ليلبسه هو وأهله ليعلم قيسه، وأما الدابة فإن كان قصده معرفة حسن سيرها، فاليوم وبعض اليوم يجزئ من ذلك، وإن كان يريدها لسفر وأراد اختبار صبرها وصلابتها فالبريدان في ذلك حسن بريد سير وبريد رجوع، إذا كان يردها من فورها; لأن البريدين في الفور الواحد يتبين ذلك فيه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في العبد والجارية، فأجاز ابن القاسم في كتاب محمد، أن يكون الخيار عشرة أيام، وروى ابن وهب عن مالك أنه أجاز أن يكون الخيار شهرا، وقال أصبغ: في العشرة يمضي، وفي الشهر يفسخ، وقد قيل: في العبد والجارية إنما أجيز فيهما الخيار الجمعة; لأنه يصح منهما كتمان ما هما عليه، فإن كرها البائع أظهرا فوق طاقتهما، وإن كرها المشتري قصرا عن ذلك، وإذا كان الوجه ذلك لم يفسخ في الشهر; لأنه أبلغ فيما يراد من معرفة باطنهما، ولا يغيب المشتري على الجارية; لأنها لم تحل له بعد، ولا للبائع; لأنها حرمت عليه بما عقدا فيها من البيع، ولأن من حق المشتري أن يحول بينه وبينها لما تعلق له فيها من شبهة الشراء.

                                                                                                                                                                                        وأما الدار فإن كان المشتري من أهل المحلة لم يمكن من سكناها; لأنه بحال الجيران وما هم عليه من الخير وحسن الصحبة، وإن لم يكن من أهل المحلة [ ص: 4538 ] جاز له أن يشترط السكنى، ليختبر حالهم، والشهر في ذلك حسن، وإن كان ليرى رأيه في الثمن استوى في ذلك الثوب والعبد والدابة، وكان الأجل على قدر الثمن، وليس الأمد إذا كان الثمن دينارا كالعشرين، ولا العشرون كالمائة، ولا المائة كالألف يشتري بها عقارا، وإن كان الخيار للوجهين جميعا ليرتئي في الثمن ولاختبار المبيع، نظر إلى أبعدهما في الأمد لو انفرد، وإن كان أبعدهما ما يكون لمهلة النظر لكثرة الثمن ومدة الاختبار قريبة جعل أجلين، فإذا ذهبت مدة الاختبار عاد إلى يد بائعه وكان المشتري على الخيار إلى المدة الأخرى، وإن كان أمد الاختبار أبعد كان أجلا واحدا وهو على خياره إلى انقضاء مدة الاختبار.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية