الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن اشترى ثوبين من رجلين على خيار فاختلطا عليه]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد -فيمن اشترى ثوبين من رجلين بالخيار، فلما أراد ردهما ادعى كل واحد من البائعين الجيد منهما، وادعى المشتري معرفته أنه لأحدهما-: كان القول قول المشتري مع يمينه، وإن اختلفا عليه حلف كل واحد من البائعين على الجيد أنه له ثم يكون المشتري بالخيار بين أن يغرم لكل واحد ثمنه أو يسلم الجيد لأحدهما ويغرم للآخر ثمنه، قال ابن القاسم: فإن نكل البائعان قيل للمشتري: ادفع الجيد إليهما واحتبس الأدنى حتى يدعياه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن كنانة -في كتاب المدنيين-: إذا ادعى البائعان الجيد فقد أبرئا المشتري، فيحلفا على الجيد ويقسم بينهما، وينقلب المشتري بالثوب الآخر حتى يطلب على وجهه. قال: ولو قطع أحد الثوبين ورد الآخر فقال: لمن هذا منكما؟ فأنكراه، والمشتري لا يعرف لمن هو منهما، فإنهما يحلفان أنه ليس لهما ويمسكه ويغرم ثمن الثوبين.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في كتاب ابن حبيب-: إذا كان ثمن أحدهما عشرة والآخر [ ص: 4570 ] خمسة، فقطع الذي بعشرة وشك لمن هو منهما، وكلاهما يدعيه حلفا ثم يغرم عشرة وهي ثمنه، ويغرم أيضا قيمته، فتكون العشرة والقيمة بينهما، إلا أن تكون القيمة أكثر من عشرة، فلا يغرم إلا عشرين، ثمنه مرتين. فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان للحالف عشرة وللناكل الثوب المردود، قال: وكذلك لو رد الثوبين جميعا، فادعى كل واحد منهما الرفيع، فالجواب على ما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: أما إذا ادعى المشتري معرفة ثوب كل واحد منهما وهما قائمان، سلم الجيد لمن اعترف له به، وحلف للآخر أن الدنيء له، ثم يعود المقال بين البائعين، فيحلف من أقر له المشتري بالجيد أنه له; لأن الآخر يقول: أنت تعلم أن الجيد لي، فإن نكل حلف الآخر وأخذه، وسلم إليه الدنيء; لأنه إن نكل المشتري عن اليمين حلف البائع أن الذي أقررت به لصاحبي هو ثوبي، ثم يكون له على المشتري الأقل من الثمن الذي اشترى به منه أو قيمة الجيد، فإن كان الثمن أقل قال: قد كان لي أن أقبل به، وإن كانت القيمة أقل قال: ليس علي سواه؛ لأني لم أقبله، فتقول: ذلك رضى منك; لأنك حبسته وهذا هو في يد غيري يدعيه لنفسه، ولبائعه أن يحلف المقر له إذا كانت القيمة أقل، فإن حلف لم يكن له سوى القيمة من المشتري، فإن نكل حلف مدعيه واحدة، ويكون للناكل ثوب الحالف، وأما إذا لم يعلم ثوب كل واحد منهما [ ص: 4571 ] وكانا قائمين، فالخلاف المتقدم فيها راجع إلى أنه هل يعذر بالنسيان؟

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذا الأصل فيمن أودع مائة دينار فادعاها رجلان، هل يعذر بالنسيان؟ وتكون المائة بينهما، أو لا يعذر ويغرم لكل واحد منهما مائة، فرأى مالك أنه: لا يعذر بالنسيان، ويغرم لكل واحد ثمنه إذا حلفا، أو يسلم الجيد منهما لهما، ويغرم لكل واحد نصف ثمنه.

                                                                                                                                                                                        ورأى ابن كنانة أنه: لا يغرم ويعذر بالنسيان، فيقسمان الجيد بعد أيمانهما، ويحلف المشتري على الآخر، أنه أحد الثوبين الذي اشترى منهما ويبرأ، ويقسمانه إن أحبا وإلا وقف حتى يدعو إلى قسمته. وإن قطع أحدهما وأنكر كل واحد الباقي، وأنكر أيضا المقطوع; لأن القطع غيره، وقال المشتري: لا أعلم أيهما هو، غرم لكل واحد ثمنه، وعلى هذا تكلم ابن كنانة. وإن ادعى كل واحد أن المقطوع أنه له، عاد الجواب إلى ما تقدم، فعلى قول ابن كنانة، يغرم لكل واحد نصف ما اشترى منه به، وكان الباقي بينهما، وعلى قول مالك يغرم ثمنه مرتين، إلا أن تكون القيمة أقل، وعلى هذا الوجه تكلم مالك في كتاب ابن حبيب. [ ص: 4572 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية