الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في رقيق الحائط ودوابه وأجزائه، والحكم في خلف ما هلك من ذلك، وما يجب على العامل أن يعمله، واشتراط معونة صاحب المال

                                                                                                                                                                                        لا يخلو الحائط في حين المساقاة من أربعة أوجه: إما أن تكون فيه كفاية من الرقيق والدواب، أو لا شيء فيه، أو فيه كفاية بعضه، أو فيه أجراء يعملون بأجر، فإن كان فيه كفاية أو لا شيء فيه- جازت المساقاة على ما هو عليه، ولا يجوز أن يخرج من هذا ما فيه، ولا يعمد الآخر بما ليس فيه. وهذا قول مالك وابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذين الموضعين، فقال ابن نافع ويحيى بن عمر في كتاب ابن مزين: إذا كان في الحائط رقيق لا يدخلون إلا بشرط، ولو اختلفا فقال رب الحائط: إنما ساقيتك على ألا يعمل رقيقي. وقال الآخر: على أن أعمل بهم، أنهما يتحالفان ويتفاسخان.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن نافع: ولا بأس أن يشترط من الرقيق ما ليس فيه، فرأى مالك [ ص: 4698 ] أن ذلك سنة تتبع; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ساقى خيبر وفيها حوائط كثيرة، فلم ينزع لأحد ولا زاد لأحد، ومعلوم أنها لا تكون على صفة واحدة من العمارة، والقول الآخر أقيس.

                                                                                                                                                                                        وإذا جاز أن يساقي ما فيه كفاية على أن يكون على العامل ما سوى ذلك - جاز أن يعمر الخالي، ويجوز أن يخلي العامر قياسا على ما هو على الأول غير عامر، ولأنها إجارة يتعين العوض عنها بقدر ما يتكلف فيه فيرخص لما فيه من الكفاية، ويزاد لعدمه.

                                                                                                                                                                                        وقد ذهب مالك مرة إلى القياس ولم يمر على ما وردت به السنة، فقال: إذا كان في الحائط رقيق، كان خلف ما هلك من ذلك على رب الحائط. وهذا هو القياس; لأنهما إن دخلا على أن يخلفا -كان غررا، فإن سلموا لآخر مدة السقاء- لم يكن على العامل إلا ما يساوي عملهم. وإن هلكوا أو أبق العبد أو تلفت الدابة في أول العمل كان عليه أن يأتي بمثل ذلك إلا أنه لم يرو عن النبي -عليه السلام- أنه أخلف لأحد من أهل خيبر شيئا، وإن كان في الحائط بعض كفايته، كان مطلق المساقاة على قول مالك أن يغرما فيه والتمام على العامل، وعلى قول ابن نافع يكون ما فيه لرب الحائط، [ ص: 4699 ] ويجوز أن يشترط تمام ما يحتاج إليه من ذلك، وإن كان في الحائط أجراء، والكراء غير وجيبة كان حكمه حكم ما لا رقيق فيه وإن كان وجيبة أو إلى مدة تنقضي فيها المساقاة، كانوا كرقيق الحائط لا يصح إخراجهم على قول مالك، ويجوز على قول ابن نافع أن يخرجهم ويجعلهم يعملون له في غيره.

                                                                                                                                                                                        وإن انقضى أمد الإجارة في نصف مدة السقاء كان ما بعد أمد الإجارة على الساقي، قال: فإن مات أحد منهم كان الخلف على رب الحائط إلى انقضاء أمد الإجارة. واستحب مالك إذا كان الحائط كثيرا ولا رقيق فيه ولا دواب، أن يشترط العبد الواحد والدابة الواحدة. فإن اشترط من ذلك غير معين فأتى به، ثم هلك أو تلف- كان خلفه على رب الحائط، وإن كان معينا فقال: هذا العبد أو هذه الدابة- لم يجز إلا أن يشترط على رب الحائط خلفه; لأن إطلاق العقد يقتضي إذا كان معينا أن عليه من العمل ما بعده; فإن تلف [ ص: 4700 ] في أول كل عام كان عليه جميع العمل، وإن سلم إلى انقضاء السقاء، لم يعمل إلا ما بعده، وهذا غير، وليس الخلف في هذا بمنزلة من استأجر شيئا بعينه; لأن العامل لم يشتر منافع شيء مما في الحائط، وإنما يعملون لرب الحائط في ماله، وإنما يدخل العامل على أن عليه من العمل ما بعد ذلك. ولو أراد صاحب الحائط أن يخرجهم ويأتي بمن يعمل عملهم لم يكن للعامل في ذلك مقال.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اشترط العامل معونة رب المال; فمنع ذلك ابن القاسم وقال: يرد العامل إلى مساقاة مثله.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: يجوز إذا كان الحائط كبيرا مما يجوز فيه اشتراط الغلام. والأول أحسن; لأن اشتراط معونة رب المال بمنزلة اشتراط غلام بعينه، فلا يجوز إلا أن يشترط الخلف، وإلى هذا ذهب ابن القاسم في "المدونة" فقال: لأن مالكا أجاز اشتراط الغلام إذا كان لا يزول، وإن مات أخلفه، يقول: إنما أجاز ذلك مالك بشرط الخلف، فلو شرط خلف رب المال إن مرض أو مات جاز.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في "العتبية" في رجل قال لرجل: تعال اسق أنا وأنت حائطي على أن لك نصف الثمرة، لا يصلح ذلك، قال: وإنما المساقاة أن يسلم الحائط إلى الداخل. فجعله كالقراض، فعلى هذا لا يصلح وإن اشترط الخلف. [ ص: 4701 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية