الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في كنس مراحيض الديار وفيمن اكترى دارا على أن عليه إصلاح ما فسد منها

                                                                                                                                                                                        ومن اكترى دارا كان كنس مرحاضها مما هو متقدم قبل العقد على المكتري، فإن كان لا يصح السكنى إلا بإزالته جبر صاحب الدار على إزالته.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما حدث بعد العقد، فقال ابن القاسم في "المدونة": كنس الكنيف وإصلاح ما وهى من الجدران على صاحب الدار. وقال في المجالس: كنس ذلك على الساكن، وفي الفنادق على صاحبه دون المكتري، وأما ما لم يحتج إلى زواله في حال السكنى، فالشأن ألا يطلب الساكن عند خروجه بزوال ذلك، وكذلك الفنادق الشأن أنه ليس على الساكن شيء.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في متقبله من صاحبه على ما تقدم في الديار. وكذلك الحمام إذا تقبله رجل من صاحبه يختلف هل ذلك على متقبله أو على صاحبه؟ والجواب في القنوات كالجواب في المراحض، فإن سكن المكتري دارا بحدثان ما كنست تلك القناة وطال سكناه حتى احتاجت إلى كنس، كان على [ ص: 5035 ] الاختلاف المتقدم، هل ذلك على صاحب الدار، أو على الساكن، وسواء كانت تجري بالأثفال أو بالغسالة؟ وإن كانت غير مكنوسة أو كان سكناه الأمد اليسير، لم يكن عليه شيء وكان ذلك كساكن الفنادق.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن اكترى دارا سنة بعشرين دينارا على إن احتاجت الدار إلى مرمة رمها المكتري من العشرين دينارا: لا بأس به. يريد: أن الكراء وإن كان مؤجلا فإن هذا الشرط لا يفسد العقد; لأن القصد في ذلك ما يحتاج في الغالب إلى إصلاحه مثل خشبة تنكسر، أو ترقيع حائط، أو ما أشبه ذلك مما يقل خطبه ولا يؤدي تعجيله إلى غرر، فإن طرأ ما تعظم نفقته، مثل سقوط بيت، لم يلزمه الإنفاق فيه، وإن شرط الإنفاق من غير العشرين الدينار كان فاسدا.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا نزل وعمل وأصلح، فقال أصبغ في "كتاب محمد": له قيمة ذلك صحيحا يوم عمله. يريد: أن تكون عليه قيمة السكنى من وقت أصلح على أنها مصلحة.

                                                                                                                                                                                        وقد قيل في هذا الأصل: ليس له قيمته يوم أصلح; لأنه بنى ذلك وأصلحه وعمله على أنه باق تحت يديه ينتفع به إلى يوم خروجه، فكان بمنزلة من لم يمكن من المبيع.

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف هل تكون له قيمته يوم يخرج صحيحا أو منقوضا؟ وقيمة ذلك صحيحا أحسن; لأنه وضعه بإذن المالك ولم يكن [ ص: 5036 ] متعديا فيعطى قيمته منقوضا.

                                                                                                                                                                                        فإن اكترى كراء فاسدا فأصلح وبنى بإذن صاحب الدار كانت عليه قيمة ما ارتفق به، يقال: بكم تكرى الدار على أنها على هيئة ما كانت وقت العقد على أن المكتري ينتفع بموضع كذا فيبنيه بيتا كراء، ثم يكون له قيمة ذلك البناء منقوضا يوم يخرج; لأنه فعله بغير إذن، وإلى هذا رجع مالك في "كتاب محمد".

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في "العتبية" فيمن اكترى دارا سنة فسكن شهرا، ثم انهدمت فبناها بما عليه من الكراء، ثم قدم صاحبها بعد تمام السنة: فله كراء ما سكن قبل الهدم، وكراء العرصة بعد الهدم، وليس للمكتري إلا نقض بنائه، إلا أن يعطيه قيمته منقوضا.

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا بنى بنقض من عنده على ملكه. ولو بنى ذلك على ملك ربها لكان صاحب الدار بالخيار بين أن يرضى بذلك ويعطيه ما أنفق ويكون له قيمة الكراء على أنها مبنية، أو يعطيه قيمته منقوضا بعد انقضاء الكراء ويكون له قيمة القاعة على أنها تكرى ممن يبنيها من عنده.

                                                                                                                                                                                        وإن بناها بنقضها، كان لربها أن يأخذ قيمة كرائها قائمة ولا شيء عليه للثاني; لأنه إنما أخرج البناء وهو التلفيق ولا شيء له، ويصح أن يقال: لما كان ذلك التلفيق لا يقدر صاحب الدار أن يأخذ كراءها مبنية إلا بذلك كان كالسقي والعلاج. [ ص: 5037 ]

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف فيه إذا سقى الغاصب، فقيل: له قيمته; لأنه لم يكن يقدر على الغلة إلا بتلك النفقة.

                                                                                                                                                                                        ولو اكترى رجل دارا كراء صحيحا ثم بنى فيها وزاد بغير إذن ربها، لم يكن عليه كراء ما زاد من البناء; لأنه قد اكترى الانتفاع بجميعها، فقد كان له الانتفاع بتلك القاعة التي بناها بيتا، وإذا انقضى الأجل كان صاحب الدار بالخيار بين أن يعطيه قيمة ذلك منقوضا أو يأمره بقلعه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا بنى بإذنه، فقال ابن القاسم: له أن يعطيه قيمته منقوضا كالأول. وقال مطرف وابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب" عن مالك: ليس له أن يأخذه إلا بقيمته قائما، ولم يذكر الحكم إذا أبى.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن مسلمة: إذا أذن للمكتري أن يبني بعشرين دينارا ففعل ثم انقضت الوجيبة وقال للمكتري: لا حاجة لي بالبناء واخرج، قال: إن أحب المكتري أن يقيم في المنزل حتى يعطيه عمارته بالكراء. [ ص: 5038 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية