الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في من اكترى راحلة ثم باعها، أو باعها ثم اكتراها، أو اكترى ثم أكرى أو وهب

                                                                                                                                                                                        ومن أكرى راحلة ثم باعها كان الكراء أولى، ثم المشتري بالخيار بين القبول أو الترك إذا كان الكراء اليومين والثلاثة. وإن كان بعيدا كان فاسدا على القول: إن علم أحد المتبايعين بالفساد يوجب الفساد. وقيل: البيع جائز; لأن المشتري لم يعقد على فساد ولا يكون كمبتدئ شراء؛ لأنه قبل بالعيب قبل أن يرد.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان الكراء اليومين والثلاثة فلم يعلمه المشتري حتى انقضت مدة الكراء، فقيل: لا رد للمشتري وهو كعيب ذهب، وقيل: له أن يرد كالعيب القائم، والجواب على وجهين: [ ص: 5135 ]

                                                                                                                                                                                        فعلى القول: إن غلات المبيع للبائع والمصيبة منه، حتى يقبضه المشتري، وكانت قد بقيت في يد البائع تلك المدة ليقبض الثمن، يكون كعيب ذهب; لأن مقال المشتري لمكان الحبس، حبس الرقاب، وقد كان بوجه جائز ولم يكن له حق في المنافع.

                                                                                                                                                                                        وعلى القول: إن المصيبة من المشتري يكون مقاله قائما; لأنه يقول: اشتريت وأنا أرى أن المنافع لي بالعقد، فتبين أن البائع باعها. وإن دفع إليه البائع قيمة تلك المنافع لزمه البيع; لأن مقاله بعد تمام مدة الكراء لمكان الكراء ليس لأجل الحبس، ولا مقال له في المسمى إن كان أكثر من القيمة; لأن البائع باعها بوجه جائز.

                                                                                                                                                                                        وإن شهدت البينة بالبيع واعترف البائع أن الكراء كان قبل، كان للمكتري أن يفسخ الكراء عن نفسه إن كان المسمى أكثر من القيمة، أو يأخذ فضل القيمة إن كانت أكثر من المسمى; لأنه يقول: بعتني منافع ثم أحدثت ما حال بيني وبين قبضها. وهذا إذا بقيت الراحلة تلك المدة ولم يغب بها مشتريها.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا غاب بها هل يحمل على الحياة ويكون كالحاضر، أو على الموت فلا يكون له إلا فسخ الكراء؟ وإن باع ثم أكرى كان المشتري في الكراء [ ص: 5136 ] بالخيار بين أن يفسخه أو يمضيه ويأخذ ما أكريت به.

                                                                                                                                                                                        وإن ثبتت البينة للمكتري واعترف البائع أن البيع كان قبل، وقام المشتري بفور ذلك كان بالخيار بين أربع: بين أن يفسخ البيع عن نفسه إن كان الثمن أكثر من القيمة، أو يأخذ فضل القيمة إن كانت أكثر; لأنه حال بينه وبين قبض المبيع، أو يجعل مقاله في الكراء فيأخذ ما أكريت به، أو قيمة الركوب إن كانت القيمة أكثر من المسمى.

                                                                                                                                                                                        وإن لم ينظر في ذلك حتى ذهبت مدة الكراء لم يكن للمشتري مقال في رد البيع; لأن الحبس ذهب، وكان له في الكراء الأكثر من المسمى أو كراء المثل، ويستوي حينئذ ثبات تقدم البيع والجهل به.

                                                                                                                                                                                        وإن أكرى ثم أكرى وعلمت التواريخ، كان الأول أولى، وله أن يفسخ الثاني أو يجيزه ويأخذ ما أكريت به. وإن لم يعلم تقدم عقد الأول كان الآخر أحق، وكان الأول بالخيار بين ثلاثة أوجه: بين أن يفسخ العقد عن نفسه، أو يأخذ فضل ما أكريت به، أو يأخذ من المكري قيمة تلك المنافع.

                                                                                                                                                                                        وإن أكرى ثم وهب، أو وهب ثم أكرى، كان المكتري أحق، فإن سبق الكراء كان المكتري أحق لتقدم عقده، وإن تأخر كان أحق لعدم الحوز في الهبة، وهو بمنزلة من وهب ثم باع، فإن المشتري أحق ويكون للموهوب له الثمن.

                                                                                                                                                                                        وله ها هنا ما أكريت به، فإذا انقضت الإجارة أخذها الموهوب له، ويختلف في حوز المكتري للموهوب له، وذلك مذكور في كتاب الصدقة. [ ص: 5137 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية