الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب: القراض بالمكيل والموزون والعروض

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: والقراض بما سوى الأثمان التي يتبايع الناس بها من مكيل أو موزون أو عروض أو عبيد غير جائز; لأنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: أن يكون رأس المال المدفوع الآن ليرد مثله -أو قيمته يوم أخذه- أو الثمن الذي باع به. فإن كان ليرد مثله كان غررا، فإن زاد سوقه وكانت قيمته يوم أخذه مائة ويوم يرده مائتين وكان ربحه مائة كان قد جبر بربحه وذهب عمله باطلا، وإن حط سوقه فكانت قيمته الآن خمسين كان قد ربح فيما لم يعمل.

                                                                                                                                                                                        وإن جعلا رأس المال قيمته ذلك اليوم، دخله الفساد من هذين الوجهين فقد يزيد سوقه قبل البيع أو يرخص. وإن جعلا رأس المال الثمن الذي بيع به كان ذلك زيادة للعامل وهو ثمن أجرة البيع إلا أن تكون الأجرة لا خطب لها، أو يعلم أنه كان يتكلف له ذلك لو لم يعطه إياه قراضا، أو يقول: كلف من يبيع ويأتيك بالثمن فيكون قراضا جائزا.

                                                                                                                                                                                        فإن دخلا على أن يرد مثل رأس المال وقيمته، ثم باع بعين، ثم عمل بالثمن فربح أو خسر كان له أجر مثله في بيع الأول.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما يكون له فيما عمل بعد ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل: له أجر مثله. وقيل: قراض مثله. وقيل: إن جعلا رأس المال المأخوذ أولا ليرد مثله أو [ ص: 5233 ] قيمته كان أجيرا لأنه غرر، وإن جعلا رأس المال الثمن الذي يباع به كان على قراض مثله؛ لأنها زيادة لم تصحب العمل في المستقبل.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: والذي أرى في هذه الأسئلة الثلاثة: أن يكون له في الأول جعل مثله، وفيما تجر بعد ذلك قراض مثله; لأن كل ما دخلا فيه على وجه القراض، وإنما دخلا على وجه الجعالة، فإذا كانت فاسدة ردت إلى الجعالة الصحيحة، وإنما يرد فاسد كل شيء إلى صحيحه، فالمأخوذ أولا وهو الطعام أو العروض لا يصح فيه قراض صحيح، ويصح فيه البيع على الجعل، وإذا صار عينا رد فيه إلى قراض المثل كالجعالة، فإن خسر لم يكن له أجر; لأن في ذلك مظلمة على صاحب المال; لأنه لم يستأجره فيعطى أجره من الذمة، وإنما دخلا على أن العوض معلق بالربح.

                                                                                                                                                                                        وإن باع العرض الأول بعرض ثم باع الثاني بعين كان أجيرا في العرضين، ثم يكون على قراض المثل من الوقت الذي صار عينا، وهذا هو أصل قول ابن القاسم. وإن قال له في الأول: بعه بعين، فتعدى وباعه بعرض كان صاحبه بالخيار بين أن يجيز فعله ويكون الجواب كالأول أو يضمنه قيمة الأول ويكون ربح الثاني وخسارته للعامل، وفيما تجر فيه بعد بيع الثاني على قراض المثل إلا أن يكون الثمن الذي بيع به الثاني أكثر من قيمة الأول فيكون ربح الزائد وخسارته للعامل وعليه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: إذا لم يأمره في الأول أن يبيعه بعين فباعه بعرض كان رأس المال من القراض قيمة الأول، وله أجر مثله في بيع الأول، وإن قال له: بعه بالعين، كان رأس المال الأكثر من قيمة الأول أو ثمن الثاني ويعطى [ ص: 5234 ] أجرته في بيع الأول ولا أجرة له في بيع الثاني؛ لأنه متعد.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: أما قوله في السؤال الأول: إن له الأجرة فيه بعد تسليمه أن رأس المال قيمته، فلا وجه له; لأن القيمة قبل البيع، والبيع داخل في القراض، وكذلك قوله في السؤال الثاني: إن كانت قيمة الأول أكثر ولم يجز فعله أن له أن يغرمه قيمته ولا أجر له فيه; لأنه أخذه بالتعدي وإن كان الثمن أكثر، وأجاز فعله إن كان الثاني من القراض وكان رأس المال قيمة الأول ولا أجر له فيه; لأن البيع داخل في القراض، وهذا الجواب على أصله أنه يصح أن يكون في العرض على قراض المثل قبل أن يصير عينا، وقول ابن القاسم أحسن; لأن العروض لا يصح فيها قراض صحيح بحال، فوجب أن يكون له جعل المثل حتى يصير عينا. [ ص: 5235 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية