الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الشهادة على الخط

                                                                                                                                                                                        الشهادة على الخط على أربعة أوجه: شهادة الرجل على خط نفسه. وشهادته على خط غيره، عند غيبته أو بعد موته، أو كتاب قاض وشهادته على خط غيره، بما تضمن إقراره واعترافه على نفسه بدين أو طلاق.

                                                                                                                                                                                        فأما شهادته على خط نفسه، إذا تضمنت شهادته على رجل بدين أو طلاق، فلمالك فيها ثلاثة أقوال: فقال -في المدونة-: إذا ذكر أنه خطه ولم يذكر الموطن، يؤديها كما علم ولا تنفع المشهود له. وقال -في كتاب محمد-: لا يؤديها، وروى عنه مطرف -في كتاب ابن حبيب- أنه قال: إذا كان الرق نقيا لا محو فيه ولا تهمة ولا خيفة شيء فليؤدها، وبه أخذ مطرف. قال: وعليه جماعة الناس قديما. قال: ولو ترك الناس الشهادة على خطهم، إذا لم يستنكروا شيئا من الكتاب، ما قام لأحد حق.

                                                                                                                                                                                        قال ابن الماجشون: وهو الذي عليه أصحابنا كلهم، المغيرة وابن أبي حازم وابن دينار، قال: ولا يعلم السلطان أنه لم يعلم غير خطه، ويشهد بها تامة أن ما فيها حق، فمنع من أدائها خيفة أن [ ص: 5372 ] يقضى بها، فيكون قد أعان على ما لا يراه صوابا.

                                                                                                                                                                                        وقال مرة: يوقفها؛ للاختلاف فيها; ولأنه لا يجوز أن يحكم بذلك، على من لم يحكمه وهو المشهود له; لأن المسألة تتضمن ثلاثة: شاهد ومشهود له ومشهود عليه، وإن أتاه الشاهد أو المشهود له والمشهود عليه، فسألاه عن أدائها فقال: لا أؤديها، لكان حكما على المشهود له، وهو لم يستفته ولا حكمه، ومثله الرجل يحلف بالطلاق، ثم يكون حنثه مختلفا فيه، فسأل الزوج المفتي فكان الجواب عند المفتي: أن لا حنث عليه، جاز له على القول الأول أن يفتيه بالبقاء وجواز الإصابة، وعلى القول الآخر لا يجوز له ذلك، إلا أن يجتمع الزوجان على تقليده، وإلا كان حكما على الزوجة وهي لم تقلده، وكذلك لو استفتت الزوجة من يرى أنه حانث، فعلى القول الأول يجوز له أن يفتيها بالهروب والامتناع منه، ولا يجوز له ذلك على القول الآخر، إلا بالاجتماع من الزوجين، إلا أن يكون الاختلاف في ذلك شاذا منافيا للأصول، فيجوز له ذلك من غير رضى الآخر.

                                                                                                                                                                                        ورواية مطرف وابن الماجشون في الشهادة على معرفة خطه أحسن، ومحمل قول مالك على ما كانوا عليه من الحفظ، وقد كان كثير [ ص: 5373 ] منهم لا كتاب له، وقد قال مالك: حدثني ابن شهاب بأربعين حديثا حفظتها، إلا ثلاثة أحاديث، فسألته أن يعيدها علي فأبى، فقلت له: أما كان يعاد عليك الحديث؟ فقال: لا.

                                                                                                                                                                                        ولو وكل الناس اليوم على حفظ الشهادة لم يؤد أحد شهادة، ولتعطلت حقوق الناس، ومع أن الضرب على المخطوط نادر وخاصة في المغرب، فإن كانت الشهادة على الخط في غيبة الشاهد أو موته، أن هذا خطه وشهادته صحت الشهادة على الصحيح من القولين; لأنها ضرورة.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا كانت على خط المطلوب، أو اعترافه على نفسه. فقال ابن المواز: ذلك جائز بمنزلة الإقرار، وأن الشاهد الواحد فيه يجري مع يمين الطالب; لأنه بمنزلة اعترافه على نفسه، وذكر أنه مذهب مالك، وأنه لم يختلف فيه قوله. [ ص: 5374 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية