الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في طرو موصى له على الورقة بعد القسم]

                                                                                                                                                                                        وإن طرأ موصى له فإنه لا تخلو وصيته من ستة أوجه:

                                                                                                                                                                                        إما أن تكون بمعين: عبد أو دار أو بعبد مبهم، أو يقول: "له دار من دوري" ولم يعين، أو بجزء من عبيده أو دياره، أو بتسمية من العين أو بجزء من العين أو بجزء من ماله ولم يخص، فإن كانت بعبد بعينه أو دار بعينها والثلث يحملها، كان له أن يأخذ ذلك من الوارث كالاستحقاق ويرجع الوارث المأخوذ منه على الورثة، كأن الميت لم يخلف ذلك، وإن باع ذلك الوارث كان الموصى له بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو يرد البيع ويأخذ عينه، وإن بان به مشتريه كان له الثمن وإن هلك بيد الوارث بأمر من السماء، فإن كان صار إلى يد الوارث بمقاسمة بالقرعة لم يرجع الموصى له بشيء، وإن صار إليه بالتراضي بغير قرعة أو صار إليه بوجه المبايعة كان له أن يجيز البيع فيه ويأخذ ثمنه من يد البائع ويسقط من الثمن نصيب الوارث الذي اشتراه; لأنه لم يشتر نصيب نفسه وإنما اشترى نصيب الورثة، فإن لم يحمله الثلث كان الموصى له في الاتباع فيما يحمل الثلث منه على نحو ما مضى [ ص: 5942 ] إذا حمله الثلث.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الوصية بعبد أو دار غير معين كان شريكا للورثة في تلك التسمية وهو في ذلك بمنزلة وارث طرأ على ورثة، فإن خلف الميت ثلاثة أعبد أو ثلاث ديار كان شريكا بالثلث، وإن كانوا أربعة فالربع، فإن كان العبيد والديار تعتدل في القسم حتى يخرج له عبد أو دار- كان له أن ينقض قسمة الورثة ثم يقرع بينهم فيأخذ ما يخرج من القسم، وإن كانوا لا يعتدلون في القسم لم ينقض القسم الأول، وكان شريكا في كل عبد وفي كل دار بقدر وصيته.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كانت الوصية بجزء فقال له: ثلث عبيدي أو ثلث دياري، فالجواب على ما تقدم إذا أوصي له بعبد مبهم.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الوصية بجزء من العين والتركة عين كان فيها قولان، فقيل يكون كوارث طرأ على ورثة، فإن وجد أحدهم موسرا كان له أن يأخذ منه ما ينوبه في المحاصة لو كان البقية مياسير وهو قول مالك .

                                                                                                                                                                                        وعلى قول أشهب وابن عبد الحكم يقاسم الموسر جميع ما في يديه، ثم يرجعان جميعا على الوارث . وفي كتاب محمد قول ثالث: أنه بمنزلة غريم طرأ على ورثة يستوفي من الموسر جميع وصيته ثم يرجع على أخيه، فقال: إذا أخذ أهل الوصايا وصاياهم ثم فضلت فضلة أخذها الورثة فإن كان فيها وفاء [ ص: 5943 ] بوصية الطارئ فإنها تحسب عليه ولا يتبع بها إلا الورثة ، قال: ولو أوصي لثلاثة بمائة دينار والثلث مائتان وخمسون فأخذ الحاضران مائتين والورثة خمسين ثم قدم الثالث بعد - كان يجب له ثلاثة وثمانون وثلث، على كل واحد من الموصى لهما سبعة عشر إلا ثلثا لا يأخذ الملي منهما عن المعدم وله أن يأخذ الوارث بجميع ما صار إليه من الخمسين، ثم يتبعان جميعا باقي الورثة. قال: وكذلك كل من يرجع على وارث من غريم أو موصى له فليستوعب من الملي منهم جميع ما صار إليه من ذلك فأما غريم على غرماء أو موصى له على موصى لهم فلا يتبع الملي إلا كما يتبع المعدم، وأظنه ذهب في تبدية الموصى له وأنه كالغريم لقول الله -عز وجل-: من بعد وصية يوصي بها أو دين [النساء: 11] ، وقال ابن حبيب: لحوق الوصية للرجل بالثلث أو للمساكين أو بعدة دنانير بمنزلة لحوق الدين في انتقاض القسم، وفي ضمان الورثة فيما يضمنونه في جميع ذلك ، وهذا مثل قول محمد.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم : إذا اقتسم الورثة مال الميت والمال عين أو عرض، ثم [ ص: 5944 ] طرأ وارث أو موصى له بالثلث، فإنما يتبع كل وارث بما صار إليه من حقه، ولا يتبع الملي بما على المعدم، فساوى بين الموصى له والوارث; لأن الميت شريك للورثة بالثلث، فكان كمشاركة أحد الورثة. وإن كانت الوصية بتسمية من العين مثل أن يوصى بمائة دينار، والثلث محمل الوصية، والتركة عروض أو عقار كان بمنزلة غريم طرأ على ورثة، وإن كانت الوصية بجزء بثلث ماله أو بربعه كان كوارث طرأ على ورثة; لأن الميت شركه معهم.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية