الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في السارق يدعي أنه رسول، أو قال سرقت متاعي، أو اعترف لرجل بالسرقة وكذبه المسروق منه

                                                                                                                                                                                        وإذا شهدت البينة على رجل بالسرقة، فقال: هو أرسلني. فإن قام دليل على كذبه; لأنه نقب البيت أو كسر الباب أو أتى ليلا، قطع، صدقه صاحب البيت أو كذبه، كانت بينهما مخالطة أم لا؟ .

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كان مثله لا يرسل لذلك; لأنه معروف بالسرقة فإنه يقطع، ولا فرق بين أن يقوم دليل على كذبه لصفة الأخذ; لأنه نقب أو بصفة حالة الآخذ، فإن قام دليل على صدقه لأنه أخذ ذلك نهارا من مأخذه، فتح وأخذ، وكان القائم بأمر صاحب البيت المتصرف له أو كان معروفا بالدين، لم يقطع، صدقه صاحب البيت أو كذبه.

                                                                                                                                                                                        وإن أشكل الأمر; لأنه لا خلطة بينهما، وليس بمعروف بسرقة ولا بصلاح، فإن صدقه لم يقطع; لأن تصديقه مع إشكال الأمر شبهة فيدرأ بها الحد للحديث، وإن كذبه قطع، وإن كان صاحب البيت غائبا، وقام دليل على كذبه قطع ولم ينتظر قدومه; لأنه لو كان حاضرا وصدقه لقطع، وإن قام دليل على صدقه ترك؛ لأنه لا يقطع لو كذبه، وإن أشكل الأمر سجن حتى يقدم فإن صدقه وإلا قطع. [ ص: 6061 ]

                                                                                                                                                                                        وقال في الذي لقي في جوف الليل ومعه المتاع، فقال: أرسلني صاحبه، فقال: إن كان يعرف له إليه انقطاع لم يقطع. فدرأ عنه القطع ، وإن كان في وقت لا يشبه لما لم تشهد عليه البينة بالأخذ. وإن اعترف بالسرقة وقال: سرقت متاعي. كان القول قول المسروق منه أنه ليس بمتاعه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في ثلاثة مواضع:

                                                                                                                                                                                        أحدها: هل يحلف إذا كذبه؟

                                                                                                                                                                                        والثاني: هل يسقط عنه القطع إذا وجبت عليه اليمين، فنكل وحلف السارق واستحق السرقة؟

                                                                                                                                                                                        والثالث: هل يسقط القطع إذا صدقه؟

                                                                                                                                                                                        فقال في المدونة: يحلف المسروق منه أنه ليس بمتاعه ويقطع فإن نكل عن اليمين حلف السارق ودفع إليه المتاع ولم يقطع . وفي بعض روايات المدونة يقطع.

                                                                                                                                                                                        وقال في العتبية: لا يمين على المسروق منه .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: يحلف، فإن نكل عن اليمين حلف الآخر واستحق المتاع ولا يسقط عنه القطع لأنه أخذ المتاع سرا وظهرت سرقته.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية: إذا قال السارق كنت أودعته ذلك وصدقه [ ص: 6062 ] المسروق منه لم يزل عنه القطع، وقال عيسى بن دينار أحب إلي إذا صدقه ألا يقطع .

                                                                                                                                                                                        وقول ابن القاسم أحسن، ولا يسقط حكم قد وجب لأمر لا يدرى أصدق فيه أم أراد سترا إلا أن يعلم أن بينهما قبل ذلك منازعة في ذلك المسروق فكان يدعيه والآخر ينكره، فإذا انضاف تقدم الدعوى مع التصديق أو يمينه مع نكول المسروق منه كانت شبهة يسقط معها القطع، وإن نقب أو كسر الباب إلا أن يكون ذلك مما لا يشبه أن يكون من أملاكه بحال فيقطع، وإن تقدمت فيه الدعوى وكذبه المسروق منه لم أحلفه إلا أن يأتي السارق في ذلك بما يشبه، وأرى أن يسأل بأي وجه صار ذلك إليه فإن قال: أودعته، نظر هل هناك سبب يوجب أن يخرج متاعه من بيته ويجعله عند غيره؟ وإن قال: غصبني، نظر هل هو ممن تعلق به مثل ذلك؟ وإن قال: اشتراه ممن سرقه مني، وهو يعلم أنه متاعي، نظر هل يشبه أن يكون عنده من ملكه لذلك علم فقد يكون البائع لذلك ظن أنه من بلد آخر؟ وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الشهادات، فإن أتى بما يشبه حلفه، فإن نكل عن اليمين حلف واستحق، وكانت شبهة يدرأ بها القطع.

                                                                                                                                                                                        واختلف في هذا الأصل إذا أصاب جارية وادعى أنه اشتراها من سيدها ونكل ربها عن اليمين وحلف الواطئ واستحق، فقال ابن القاسم: لا يحد. وقال أشهب: يحد . [ ص: 6063 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية