الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [حكم السارق إذا دخل الحرز]

                                                                                                                                                                                        يقطع السارق إذا دخل الحرز وخرج بالمتاع، واختلف في ثمان مسائل:

                                                                                                                                                                                        إحداها: أن يقرب السرقة إلى النقب ويخرجها غيره ممن هو خارج عن [ ص: 6068 ] النقب .

                                                                                                                                                                                        والثانية: أن يربطه لمن هو خارج.

                                                                                                                                                                                        والثالثة: أن يربطه لمن هو على سقف البيت.

                                                                                                                                                                                        والرابعة: أن يرمي بالمتاع ثم يؤخذ قبل أن يخرج هو.

                                                                                                                                                                                        والخامسة: أن يرمي بها فتنكسر خارجا أو تقع في نار فلا يبقى منها ما تبلغ قيمته ربع دينار.

                                                                                                                                                                                        والسادسة: أن يسرق وهو خارج من الحرز يدخل يده فيخرجها.

                                                                                                                                                                                        والسابعة: أن يشير إلى طائر بشيء فيخرج إليه أو عبد أعجمي فيخرج لكلامه أو إشارته.

                                                                                                                                                                                        والثامنة: أن يحمل المتاع وهو في الحرز على غيره فيخرج به، فقال ابن القاسم فيمن قرب المتاع إلى النقب، فأدخل الخارج يده فأخذه قال: يقطع الخارج وحده. وقال أشهب في كتاب محمد: يقطعان جميعا. وقال ابن القاسم: إذا اجتمعت أيديهما في النقب يقطعان جميعا. وهذا راجع إلى قول أشهب، وقد كان الأصل على قول ابن القاسم ألا يقطع الداخل; لأن معونته في الحرز والنقب من الحرز إلا أن تتمادى معونته مع الخارج حتى يخرجاه من الحرز.

                                                                                                                                                                                        واختلف قول مالك إذا ربطه الداخل وجره الخارج إلى الطريق ، والصواب في هذين السؤالين، وفي الذي حمل على ظهر غيره وما أشبه ذلك من [ ص: 6069 ] كل معونة كانت في داخل الحرز، أن لا قطع عليه، وأن القطع على الذي أخرجه وحده.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا ناول من هو في أسفل الدار من هو في أعلاها، هل يقطع الأسفل؟ وأن لا يقطع أحسن; لأن الأعلى في الحرز بعد لم يخرج منه.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: سطح البيت مثل داخله وهو حرز واحد. يريد، أنه إن أخذ قبل أن يبين به عن السطح، لم يقطع; لأنه في الحرز.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: إذا كانوا ثلاثة أحدهم في البيت، والآخر على ظهره، والآخر في الطريق فناول الذي في البيت من هو على ظهره والذي على ظهره من هو في الطريق قال: يقطع الذي يهيئ المتاع من أسفل البيت والذي على ظهر البيت، ولا يقطع الخارج في الطريق، إلا أن يمد يده حتى يصيرها فوق ظهر البيت فيقطع الثلاثة .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: قطع الأسفل في البيت ليس بالبين، والقطع على من أخرج من الحرز فيقطع الأعلى وحده إذا مد يده به إلى من هو في الطريق، أو من في الطريق وحده إذا صير يده فوق السقف فأخذه وما سوى ذلك فهو معونة في داخل الحرز، فلا قطع على فاعلها.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: إذا رمى بالمتاع خارجا، وأخذ هو قبل أن يخرج قطع، وقال: لا قطع عليه والأول أبين; لأن القطع إنما يتعلق بالمال وبإخراجه، والقطع ذب عنه . [ ص: 6070 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا رمى بالسرقة من الحرز فوقعت في نار أو كان زجاجا فهلك، هل يقطع أو يسقط عنه القطع ويكون بمنزلة ما لو هلك قبل خروجه؟ والقطع أحسن; لأنه خرج سالما والهلاك كان بعد ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في المختصر: إذا قرب الداخل المتاع، وأدخل الخارج يده فأخرجه لا يقطع الخارج. ورأى أنه لا يقطع حتى يجتمع الدخول وإخراج المتاع، كما قال: إذا رمى بالمتاع وأخذ قبل أن يخرج .

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد في شاة في حرز فأشار إليها رجل بعلف فخرجت إليه فسرقها: لم يقطع وهو بمنزلة من أتى بإنسان فأرسله فأخرجها له لم يقطع المرسل أو باز في حرزه أو صبي أو أعجمي حتى خرجا إليه لم يقطع. قال أشهب وقال مالك: في هذا كله يقطع . وهو أحسن; لأن فعله أخرج ذلك من حرزه.

                                                                                                                                                                                        وقال يحيى بن يحيى: قال ابن نافع في الأعجمي إذا راطنه بلسانه حتى خرج إليه طوعا: لم يقطع . يريد; إذا دعاه ليخرج إليه ويذهب به فأطاع له. ولو غره فقال: سيدك بعثني إليك لآتيه بك لقطع . [ ص: 6071 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية