الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل إذا شهد أربعة برجم المشهود عليه ثم علم أن أحدهم مسخوط

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا شهد أربعة برجم المشهود عليه ثم علم أن أحدهم مسخوط هل يمضي الحكم أو ينقض؟ وتغرم البينة فقال أشهب وعبد الملك يمضي الحكم . وقال محمد: إذا كان القاضي غير الأول، وإن كان هو القاضي- نقضه ما لم يفت القطع والقتل والرجم ، وإن وجد أحدهم عبدا أو نصرانيا [ ص: 6191 ] نقض الحكم .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان مولى عليه أو ولد زنى فقال ابن القاسم في المولى عليه: ينقض الحكم، وجمعه مع العبد والذمي .

                                                                                                                                                                                        وليس بالبين، وأن يمضي الحكم أحسن إذا كان عدلا، للاختلاف في جواز شهادته، وقد أجازها مالك في كتاب محمد، قال: وإن كان أحدهم ولد زنى نقض الحكم ; لأن كونه ولد زنى من باب القطع، فأشبه لو تبين أن أحدهما عبد.

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب ابن حبيب أنه يمضى ولا ينقض; لأنه عدل وإنما تعترض شهادتهم من باب التهمة فأشبه المسخوط.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تبين أن أحدهم عبد بعد ما رجم المشهود عليه، فقال ابن القاسم: إن لم يعلموا أنه عبد كان من خطأ الإمام، وهو على عاقلته ، وإن علموا أن الذي شهد معهم عبد كانت الدية عليهم ولا شيء على العبد في الوجهين جميعا .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن سحنون: وقد قيل: لا شيء على الحاكم ولا على الشهود إذا [ ص: 6192 ] لم يعلموا أن معهم عبدا أو ذميا أو علموا وكانوا يجهلون رد شهادتهم مع العبد وإن تعمدوا وهم عالمون أن معهم عبدا وأن شهادتهم معه لا تجوز كانت عليهم الدية.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأن الكشف في ذلك والنظر فيمن تجوز شهادته أو لا تجوز إنما هو للحاكم ، فلا شيء عليهم إلا أن يعلموا بالوجهين جميعا أنه عبد وأن شهادته لا تجوز، فتكون الدية عليهم، وإن علم العبد وحده أن شهادته لا تجوز وجهل ذلك البينة، كانت الدية كلها جناية في رقبته، وإن علم بذلك جميعهم هو والبينة- كانت الدية عليهم أرباعا، وهو قول أبي مصعب أن على العبد ربع الدية.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا كانت الشهادة بقطع أو قتل، ثم تبين أن أحدهم عبد، فقال ابن القاسم في المدونة: إذا شهد شاهدان على رجل بقطع يد رجل عمدا، فاقتص من المشهود عليه، ثم تبين أن أحدهم عبد أو ممن لا تجوز [ ص: 6193 ] شهادته- أرى ألا شيء على المقتص له .

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا لم يعلم الحر أن الذي معه عبد. وقال محمد بن سحنون : إذا تبين أن أحدهم عبد أو ذمي أو مولى عليه فإنه إن حلف المحكوم له بالقصاص في اليد مع الشاهد الباقي أو حلف المقضي له بالقتل مع رجل من عصبته خمسين يمينا -تم ما حكم به ونفذ، وإن نكل عن اليمين في اليد، ولم يعلم أن شاهده عبد، وكانت الحرية فيه الظاهرة، وحلف المقتص منه في اليد أن ما شهد عليه به الشاهد باطل ونكل المحكوم له بالقتل عن القسامة، فإن الأحكام تنقض حتى تصير كأنها لم تكن .

                                                                                                                                                                                        وقال بعض أصحابنا: لا ضمان على الحاكم; لأنه لم يخطئ ولا ضمان على المحكوم له بالقصاص; لأنه أخذ ما أعطته البينة والحاكم باجتهاده ولم يأخذ مالا يرده ، وغرم ذلك على الشاهدين إذا كانا جهلا رد شهادة العبد أو الذمي .

                                                                                                                                                                                        وقال بعض أصحابنا: ذلك على عاقلة الإمام، وقيل إنه هدر، ولا شيء [ ص: 6194 ] على الحاكم ولا على البينة ولا على المحكوم له، وإنما يلزم الإمام إذا أخطأ فقتل من لا يجوز قتله أو قطع من لا يجوز قطعه أو أجاز شهادة من لا تجوز شهادته مثل أن يجيز شهادة العبد والذمي وهو يرى أن ذلك يجوز، فقال سحنون في الرجل يشهد عند القاضي وهو عدل ويشهد معه رجل غير عدل هل يجوز للشاهد العدل أن يخبر بجرحته ، وهو يعلم أنه شهد بحق؟ قال: لا يجوز له ذلك ولعله يرى حقا وقف على الهلاك إن جرح .

                                                                                                                                                                                        قال محمد: قال لي ذلك غير مرة، ثم قال بعد ذلك: يخبر بجرحته . ألا ترى لو شهد معه عبد أو نصراني والقاضي به جاهل أن على العدل أن يخبر به.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية