الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل الخلاف فيمن له ماشية فباعها بنصاب ماشية من جنسها أو من غير جنسها

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن له ماشية فباعها بنصاب ماشية من جنسها ، أو من غير جنسها ، على أربعة أقوال : فقال مالك في المدونة فيمن باع غنما بغنم : إنه يبني الثانية على حول الأولى . وإن باعها بإبل ، أو بقر ، استأنف بالثانية حولا ، ولم يزكها على حول الأولى . وقال في كتاب ابن سحنون فيمن باع غنما بغنم : إنه يستأنف للثانية حولا . وقال أيضا : يزكي للثانية على حول الأولى ، مثل قوله الأول . وقال في المدونة فيمن باع غنما بإبل أو بقر : إنه يستأنف بالثانية [ ص: 1028 ] حولا . وقال في كتاب محمد : يزكيها على حول الأولى ، إذا كانت الأولى نصابا ، فإن كانت دون نصاب استأنف بالثانية حولا . وقال محمد بن مسلمة : يبني على حول الأولى . وإن كانت الأولى أقل من نصاب ، فقال فيمن له بعير أقام في يديه ستة أشهر ، ثم باعه بأربعين شاة ، ثم جاءه المصدق بعد ستة أشهر أخرى : زكى زكاة الغنم ؛ لأنها ماشية حال على أصلها الحول .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : لا خلاف في زكاة العين ؛ الذهب والفضة ، أنه ليس من شرط وجوب الزكاة فيه أن يقيم ذلك العين حولا . وإنه إذا تجر فيه ثم عاد عينا ، أنه يزكي هذا العين الثاني على حول الأول ؛ بل ذلك أوجب في الزكاة إذا تجر فيه ؛ لأن تنمية العين لا تصح إلا بانتقال الأول . فإن بقيت العين على حالها ، وغلب على التنمية ، كان فيها قولان : هل تسقط الزكاة ، أم لا ؟ والماشية بعكس ذلك ، فتجب الزكاة إذا بقيت الغنم أو الإبل أو البقر في يده حولا ؛ لأن النماء موجود مع بقاء عينها ، وبقيت على الأصل ، أنه لا تجب الزكاة إلا مع بقاء تلك العين حولا . ورأى مرة أن الزكاة واجبة ، إذا باعها من جنسها ، بمنزلة من باع ذهبا بذهب . ورأى مرة أنه يستأنف الحول ، لما كان النماء موجودا مع بقاء عينها من غير نقل ملك . وإذا باع الغنم الأولى لم تجب في الثانية زكاة إلا بعد حول . [ ص: 1029 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد تسليم القول فيمن باع غنما بغنم ، أنه يزكي الثانية على حول الأولى . واختلف إذا تخللهما عين ، فباع الغنم بدنانير ، ثم اشترى بالدنانير التي أخذ عن الغنم غنما ، فقال محمد بن المواز : يستأنف بالثانية حولا . قال : وصارت كذهب فيها زكاة ، فابتاع بها غنما ، أنه يستأنف بها حولا . يريد : يسقط حكم الأولى . قال : وكذلك لو باع غنمه بذهب ، ثم استقاله منها ، فرجعت إليه ، فإنه يستأنف بها حولا . قال : وسواء قبض الثمن أو لم يقبضه . وقال عبد الملك بن الماجشون : يزكي الآخرة مع حول غنمه التي باع . قال : وكذلك لو أخذ بذلك الثمن إبلا أو بقرا ؛ لأنه لم يخرجها إلا لما فيه الزكاة ثانية ، ما لم يكن البدل ذهبا أو ورقا ، اشترى بها ماشية لقنية أو لتجارة ، فإنه يستأنف بها حولا .

                                                                                                                                                                                        وإلى هذا يرجع قول ابن القاسم في المدونة ، فيمن استهلكت له غنم ، فأخذ في قيمتها غنما . فقال ابن القاسم مرة : يزكي الثانية على حول الأولى ، وقال أيضا : إنه يستأنف بالثانية حولا . فرآه في القول الأول بمنزلة من كانت عنده ذهب ، ثم أولجها في عروض ، ثم باعها بذهب . والقول الآخر أحسن ، والغنم [ ص: 1030 ] في هذا بخلاف العين ؛ لأن الذهب ليس من شرطه بقاء العين الواحدة حولا ، ومن شرط الغنم على الصحيح من المذهب ألا تزكى حتى تقيم العين الواحدة حولا ، وإذا كان ذلك استأنف بالماشية الثانية حولا ، وإن كانت الغنم الأولى دون نصاب كان ذلك أبين ؛ لأنه لا يزكي الآخرة على حول الأولى وكذلك إذا كانت الأولى لقنية فاشترى الثانية ينوي بها التجارة . [ ص: 1031 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية