الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في تحريق العدو بالنار والتدخين عليهم ، وإذا أحرقوا هم مراكب المسلمين هل يلقي المسلم نفسه في البحر ؟

                                                                                                                                                                                        وإذا كان العدو في حصن فلا بأس أن يرمى بالمجانيق ، وإن كان فيهم نساء أو ذرية أو مسلمون أسارى ، إلا أن يبرزوهم لموضع الرمي ، فلا يرموا به .

                                                                                                                                                                                        ولا بأس أن يرموا حينئذ سور الحصن ؛ ليتوصل إلى هدم ما يتوصل به إلى الدخول ، ولو أبرزوا حينئذ الأسارى ، وقالوا : إن فعلتم ذلك قتلناهم ؛ لرأيت أن يوقف عنهم حتى يجعل الله لهم فرجا .

                                                                                                                                                                                        ولا بأس أن يحرق سور الحصن بالنار ؛ ليتوصل إلى الدخول .

                                                                                                                                                                                        وإن كان يحرق [من فيه] ؛ جاز إذا لم يكن فيه إلا المقاتلة ، ولم يقدر عليهم بغير الحرق ، ولم يجز إذا كان فيه أسارى من المسلمين .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان معهم نساؤهم وذراريهم ، ولا مسلمين معهم ، فمنعه [ ص: 1398 ] ابن القاسم في المدونة .

                                                                                                                                                                                        وأجازه ابن المواز ، وقال : لا بأس إذا لم يقدر على أخذهم أن يحرق عليهم الحصن ، أو يغرق بالماء . قال : ولو اجتنبوا النار كان أحب إلي .

                                                                                                                                                                                        وقال في المطمورة : إنما فيها النساء والذرية ، فلا يدخن عليهم إذا كان التدخين يقتلهم .

                                                                                                                                                                                        فمنع إذا كانوا بانفرادهم للحديث في النهي عن قتال النساء والصبيان .

                                                                                                                                                                                        وأجازه إذا كانوا مع الرجال لحديث الصعب بن جثامة ، قال : يا رسول الله ، إن الخيل في غشم الغارة تصيب من ذراري المشركين . فقال رسول الله : "هم منهم ، أو مع آبائهم" وهذه ضرورة . [ ص: 1399 ]

                                                                                                                                                                                        وروي عن ابن القاسم أنه قال : لا تحرقوا بالنار ، وإن كان فيهم المقاتلة خاصة . وقاله سحنون .

                                                                                                                                                                                        وأظن ذلك لحديث أبي هريرة ، قال : بعثنا رسول الله في بعث ، فقال "إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار" ، ثم قال رسول الله حين أردنا الخروج : "إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله -عز وجل- إن وجدتموهما فاقتلوهما" أخرجه البخاري .

                                                                                                                                                                                        ومحمل الحديث : إذا وجدتموهما فصارا أسيرين ، فأما إن امتنعوا ولم يقدر عليهم إلا بذلك ؛ فلا بأس ؛ ولأنهم قادرون عندما يرون النار أن يخرجوا ، فلا يموتون بها .

                                                                                                                                                                                        وإن كانوا في غار ؛ كان الجواب في إحراقهم على ما تقدم إذا كانوا في حصن ، فيجوز إذا كانوا مقاتلة خاصة ، ويمنع إذا كان فيهم مسلمون ، ويختلف إذا كان معهم النساء والذرية .

                                                                                                                                                                                        وأما التدخين ، فيجوز إذا كانوا مقاتلة خاصة ، وإن أدى إلى قتلهم . وإن كان معهم أسارى دخن تدخينا يرجى معه خروجهم من غير موت ، فإن لم يخرجوا ؛ تركوا . [ ص: 1400 ]

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا لم يكن فيهم مسلم ، أو كان فيهم الذرية والنساء .

                                                                                                                                                                                        وإن لقي المسلمون مركبا من العدو ، فإن كانوا مقاتلة خاصة ؛ جاز تغريقهم ويختلف في تحريقهم بالنار .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يجوز إذا لم يقدر عليهم بغير الحرق ، وإن كان العدو الطالبين للمسلمين ولم يقدروا على صرفهم إلا بالنار ؛ جاز قولا واحدا ، وسواء كان مع العدو نساؤهم وذراريهم ، أم لا .

                                                                                                                                                                                        وأرجو إذا كان معهم النفر اليسير من المسلمين أن يكون خفيفا ؛ لأن هذه ضرورة .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان المسلمون الطالبين لهم ، فدفعوا عن أنفسهم بالنار ، هل يرمون بالنار ، ويصيرون بمنزلة من لم يقدر عليه إلا بالنار ؛ لأن فعل العدو ذلك ذب عن أنفسهم ؟ .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية