الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في مقدار ما يفرض من الجزية]

                                                                                                                                                                                        وأما قدرها ، فقال مالك في كتاب محمد : جزية الجماجم على ما فرض عمر - رضي الله عنه - على أهل الذهب : أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق : أربعون درهما ، ولا يزاد ، وإن كثر يسرهم .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل ينقص الفقير ، فقال محمد : روى أصبغ عن ابن القاسم ، أنه قال : لا ينقص .

                                                                                                                                                                                        وأباه أصبغ إذا كان منهم من لا يحمل ذلك لإقلاله ، قال : وكتب عمر - رضي الله عنه - أن خففوا عن محتاجهم ، ثم إن احتاجوا فاطرحوها عنهم ، ثم إن احتاجوا فأنفقوا عليهم وأسلفوهم من بيت المال .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب : لا تؤخذ الجزية من الفقير . [ ص: 1453 ]

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن للحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذا - رضي الله عنه - أن يأخذ من كل حالم دينارا . يريد : محتلما .

                                                                                                                                                                                        وأمر عمر - رضي الله عنه - بأربعة دنانير ، فثبت أنها تختلف باختلاف حالهم من الغنى والفقر . وإنما لم ير مالك أن يزاد على ما فعل عمر - رضي الله عنه - ، أنه فرض مع الدنانير أرزاق المسلمين مدين من الحنطة على كل نفس في الشهر ، مع ثلاثة أقساط زيت ممن كان بالشام والجزيرة .

                                                                                                                                                                                        وعلى من كان من أهل مصر إردب من حنطة في كل شهر ، قال : ولا أدري كم من الودك والعسل ، وعليهم من الكسوة التي كان عمر يكسو الناس ، وعليهم أن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                        وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعا كل شهر على كل رجل مع كسوة معروفة ، ولا أدري كم كان قدرها ، كان عمر يكسوها الناس ، وأربعة دنانير يسد به فيما كان عليهم من الطعام والإدام والكسوة والضيافة .

                                                                                                                                                                                        فإن زيد اليوم عليهم من الذهب والورق ما بينهم وبين ما كان عليهم من سوى العين ؛ لم يخرج فاعله من قضاء عمر . [ ص: 1454 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك : أرى أن يوضع اليوم عنهم من الضيافة والأرزاق لما أحدث عليهم من الجور .

                                                                                                                                                                                        ولا أرى أن يوضع عنهم اليوم بالمغرب ؛ لأنه لا جور عليهم .

                                                                                                                                                                                        وكل هذا فيمن استحيي من أهل العنوة أو حربي قدم ليقيم ، ويكون ذمة .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد فيمن أقبل من العدو إلى بلاد الإسلام فسكنها : تضرب عليه الجزية ، وهو بالخيار : إن شاء أقام على الجزية ، وإن شاء رجع إلى بلده ، قال ابن القاسم خيره : وأنا أستحسن ذلك .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : إنما يكون بالخيار قبل أن يلتزم الجزية ، فأما إن اختار الجزية ، وألزم نفسه ذمة الإسلام- لم يمكن من الرجوع .

                                                                                                                                                                                        قال : وكذلك العبد النصراني يعتقه النصراني ، فتلزمه الجزية كما تلزم مولاه . وليس له الخروج من ذلك ، كما ليس ذلك للذي أعتقه ، وإن أعتقه مسلم لم تكن عليه جزية ، وليس له الرجوع إلى دار الكفر . يريد : خوفا من أن يخبر بثغرة تكون في بلاد الإسلام .

                                                                                                                                                                                        ولو أراد الذمي أن ينتقل بعد ضرب الجزية إلى بلد آخر من بلاد المسلمين ، تكون له ذمة بالبلد الآخر ، وتضرب عليه الجزية لم يمنع .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية