الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أنواع ذكاة الإنسي]

                                                                                                                                                                                        ذكاة الإنسي عند مالك على ثلاثة أوجه: ذبح، ونحر، وبالخيار بين الذبح والنحر.

                                                                                                                                                                                        فذكاة الغنم والطير والنعام بالذبح، فإن نحرت; لم تؤكل. وذكاة الإبل بالنحر، فإن ذبحت; لم تؤكل. وذكاة البقر بالذبح والنحر ، المذكي لها بالخيار .

                                                                                                                                                                                        وأجاز عبد العزيز بن أبي سلمة ذبح الإبل، ونحر الغنم والطير. وقال [ ص: 1514 ] أشهب في مدونته: إذا ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح; أكل إذا فعل، وبئس ما صنع . وقال ابن بكير : يؤكل البعير بالذبح، ولا تؤكل الشاة بالنحر .

                                                                                                                                                                                        فأجاز مالك في البقر الذبح ; لقول الله تعالى: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة [البقرة 67] ، والنحر ; لحديث عائشة - رضي الله عنها -، قالت: نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه البقر .واتبع في الإبل والغنم والطير العمل أن الشأن في هذه النحر، وفي هذه الذبح . وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نحر في حجة الوداع بضعا وستين من الإبل، ونحر علي - رضي الله عنه - ما غبر . وقال لأبي بردة بن نيار في جذعة من المعز: "اذبحها. . ." الحديث . وقال الله -عز وجل-: وفديناه بذبح عظيم [ ص: 1515 ] [الصافات: 17]. والذبح: ما يذبح، وقد كان كبشا. ورأى ابن أبي سلمة وأشهب أن النحر والذبح ذكاة يسد بعضها مسد بعض، قياسا على ذكاة البقر ; لأنه كله حيوان إنسي. وهو قول الليث والشافعي وأبي حنيفة وعطاء وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

                                                                                                                                                                                        ورأى ابن بكير : أن الذبح ينوب عن النحر; لأنه يأتي على ما يأتي عليه النحر من قطع، ولا يرى النحر يأتي على الذبح; لأن النحر يجتزأ منه بقطع ودج. وفي المبسوط، قال: أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مناديا ينادي: النحر في الحلق واللبة . فإذا كان النحر لا يختص بموضع من الحلق ولا بعدد، ويجزئ منه ودج ينهر الدم منه; لم يكن يمنع أكل ما ذبح من الإبل.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في المدونة في الشاة والبعير يقعان في البئر، فلا يستطاع أن ينحر البعير، ولا أن تذبح الشاة، قال: ما اضطروا إليه في مثل ذلك; فعلوا ، فإن ما بين اللبة والمنحر منحر ومذبح. إن ذبح فجائز، وإن نحر فجائز .

                                                                                                                                                                                        هذا جنوح منه إلى الخلاف في ذلك; لأنه لا تخلو هذه الضرورة من أن تنقل الحكم فيباح في جميع الجسد، كما قال ابن حبيب . أو لا تنقل الحكم، فيبقى كل واحد من هذين على أصله. [ ص: 1516 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية