الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حرمة أكل الدم]

                                                                                                                                                                                        وحرم الله تعالى الدم في هذه الآية جملة من غير تقييد، وقيد ذلك في سورة الأنعام، فقال: أو دما مسفوحا . فوجب رد المطلق إلى المقيد.

                                                                                                                                                                                        وقد قال ابن شعبان ، قوله: أو دما مسفوحا [الأنعام: 145]. ناسخ لقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم [المائدة: 3] . وهذا غلط; لأن سورة الأنعام مكية والمائدة مدنية، ولا خلاف أنه لا تنسخ آية مدنية بآية مكية.

                                                                                                                                                                                        واختلف قول مالك في غير المسفوح، فقال مرة: الدم كله نجس; دم بني آدم، والبهائم، وما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل، ودم الحوت، والبراغيث .

                                                                                                                                                                                        قال في سماع أشهب : الدم كله نجس، دم الحوت ودم الشاة. وإذا كان عنده نجسا فهو حرام.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: لا تعاد الصلاة من الدم اليسير . قال الله تعالى: أو دما [ ص: 1602 ] مسفوحا . قال محمد بن مسلمة : المحرم المسفوح، قال: وقد جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: لولا أن الله تعالى قال: أو دما مسفوحا لاتبع المسلمون ما في العروق كما اتبعته اليهود.

                                                                                                                                                                                        وقد تطبخ البرمة وفيها الصفرة، ويكون في اللحم الدم، فلا يكون على الناس غسله .

                                                                                                                                                                                        قال: ولو كان قليله ككثيره; لكان كبعض النجاسات تقع في الطعام فلا تؤكل.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: الدماء على وجوه:

                                                                                                                                                                                        فدم كل حيوان لا يؤكل لحمه حرام، قليله وكثيره، وليس بأعلى رتبة من دمه.

                                                                                                                                                                                        ودم كل حيوان يؤكل لحمه له نفس سائلة قبل الذكاة حرام، قليله وكثيره، وليس بأعلى رتبة من لحمه قبل الذكاة، ولأنه داخل في المسفوح قبل الذكاة وهو أول المسفوح; لأنه جملة الدم في الجسم، وإذا زاد الجرح زاد السفح، فإن ذكي حرم المسفوح وحده، وهو الذي يخرج عند الذبح، فإن استعملت الشاة قبل أن تقتطع، وقبل أن يظهر منها الدم، كالتي تشوى; جاز أكلها، ولا خلاف في ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قطعت وظهر الدم، فقال مرة: حرام. وحمل الإباحة فيه ما لم يظهر; لأن اتباعه من العروق حرج.

                                                                                                                                                                                        وقال مرة: حلال لقول الله -عز وجل-: أو دما مسفوحا [الأنعام: 145] ، فلو [ ص: 1603 ] قطع اللحم على هذا بعد إزالة المسفوح يريد: فخرج منه دم لا يحرم، وجاز أكله بانفراده.

                                                                                                                                                                                        ودم ما لا يحتاج إلى ذكاة وهو الحوت، فاختلف فيه:

                                                                                                                                                                                        فقال الشيخ أبو الحسن: ليس بنجس. وحمل قول مالك في المدونة في غسله على الاستحسان ، فعلى هذا يكون حلالا.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن; لأن الحوت كالمذكى من حيوان البر، فلما كان الدم حراما مع وجود الذكاة كان حراما من الحوت; لعموم قوله: والدم ; لأن الدم حرام لا لعلة.

                                                                                                                                                                                        فإن كان ذلك الدم سائلا جاريا، كالذي يكون في بعض الحوت; كان كالمسفوح من حيوان البر، وإن كان غير سائل ولا جار جرى على الخلاف في مثله من البري .

                                                                                                                                                                                        ويختلف فيما كان ليس له نفس سائلة:

                                                                                                                                                                                        فعلى القول إنه يحتاج إلى ذكاة يحرم ما كان من دمه قبل الذكاة، ويختلف فيما ظهر بعد الذكاة.

                                                                                                                                                                                        وعلى القول إنه لا يحتاج إلى ذكاة، يكون ما كان منه في حال الحياة أو بعدها سواء; يختلف فيه إذا ظهر وبان من الجسم. [ ص: 1604 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية