الباب الثاني .
في مراتب الشبهات ومثاراتها وتمييزها عن الحلال والحرام .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات واقع الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه .
فهذا الحديث نص في إثبات الأقسام الثلاثة ، والمشكل منها القسم المتوسط الذي لا يعرفه كثير من الناس ، وهو الشبهة فلا بد من بيانها وكشف الغطاء عنها ، فإن ما لا يعرفه الكثير فقد يعرف القليل فنقول .
هو الذي خلا عن ذاته الصفات الموجبة للتحريم في عينه ، وانحل عن أسبابه ما تطرق إليه تحريم أو كراهية ومثاله الماء الذي يأخذه الإنسان من المطر قبل أن يقع على ملك أحد يكون ، هو واقفا عند جمعه وأخذه من الهواء في ملك نفسه ، أو في أرض مباحة . الحلال المطلق
كالشدة المطربة في الخمر ، والنجاسة في البول . والحرام المحض هو ما فيه صفة محرمة لا يشك فيها
أو حصل بسبب منهي عنه قطعا ، كالمحصل بالظلم والربا ونظائره فهذان طرفان ظاهران ويلتحق بالطرفين ما تحقق أمره ولكنه ، احتمل تغيره ولم يكن لذلك الاحتمال سبب يدل عليه فإن صيد البر والبحر حلال ومن أخذ ظبية فيحتمل أن يكون قد ملكها صياد ثم أفلتت منه وكذلك السمك يحتمل أن يكون قد تزلق من الصياد بعد وقوعه في يده وخريطته فمثل ، هذا الاحتمال لا يتطرق إلى ماء المطر المختطف من الهواء ، ولكنه في معنى ماء المطر .
والاحتراز منه وسواس ولنسم هذا الفن حتى تلتحق به أمثاله ، وذلك لأن هذا وهم مجرد لا دلالة عليه نعم ، لو دل عليه دليل ، فإن كان قاطعا كما لو وجد حلقة في أذن السمكة أو كان محتملا كما لو وجد على الظبية جراحة يحتمل أن يكون كيا لا يقدر عليه إلا بعد الضبط . ورع الموسوسين
، ويحتمل أن يكون جرحا فهذا موضع الورع ، وإذا انتفت الدلالة من كل وجه ، فالاحتمال المعدوم دلالته كاحتمال المعدوم في نفسه .