القسم الثاني فالأصل الحل وله الحكم . أن يعرف الحل ويشك في المحرم
كما إذا نكح امرأتين رجلان وطار طائر ، فقال أحدهما : إن كان هذا غرابا فامرأتي طالق ، وقال الآخر : إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق .
والتبس أمر الطائر فلا يقضى بالتحريم في واحدة منهما ولا ، يلزمهما اجتنابهما ، ولكن الورع اجتنابهما وتطليقهما حتى يحلا لسائر الأزواج وقد أمر مكحول بالاجتناب في هذه المسألة وأفتى الشعبي بالاجتناب في رجلين كانا قد تنازعا ، فقال أحدهما للآخر : أنت حسود فقال الآخر : أحسدنا زوجته طالق ثلاثا فقال الآخر : نعم ، وأشكل الأمر ، وهذا إن أراد به اجتناب الورع فصحيح ، وإن أراد التحريم المحقق ، فلا وجه له إذ ثبت في المياه والنجاسات والأحداث والصلوات أن اليقين لا يجب تركه بالشك وهذا في معناه .
فإن قلت وأي : مناسبة بين هذا وبين ذلك ؟ فاعلم أنه لا يحتاج إلى المناسبة ، فإنه لازم من غير ذلك في بعض الصور ، فإنه مهما تيقن طهارة الماء ، ثم شك في نجاسته جاز له أن يتوضأ به ، فكيف لا يجوز أن يشربه ، وإذا جوز الشرب فقد سلم أن اليقين لا يزال بالشك إلا أن ههنا دقيقة وهو أن وزان الماء أن يشك في أنه طلق زوجته أم لا ، فيقال الأصل أنه ما طلق ووزان مسألة الطائر أن يتحقق نجاسة أحد الإناءين ويشتبه عينه فلا يجوز أن يستعمل أحدهما بغير اجتهاد لأنه قابل يقين النجاسة بيقين الطهارة فيبطل ، الاستصحاب فكذلك ههنا قد وقع الطلاق على إحدى الزوجين قطعا ، والتبس عين المطلقة بغير المطلقة ، فنقول : اختلف أصحاب في الإناءين على ثلاثة أوجه ، فقال قوم : يستصحب بغير اجتهاد وقال قوم بعد حصول يقين النجاسة في مقابلة يقين الطهارة : يجب الاجتناب ولا يغني الاجتهاد . الشافعي
وقال المقتصدون يجتهد وهو الصحيح ولكن وزانه أن تكون له زوجتان فيقول : إن كان غرابا فزينب طالق ، وإن لم يكن فعمرة طالق ، فلا جرم لا يجوز له غشيانهما بالاستصحاب ، ولا يجوز الاجتهاد إذ لا علامة ونحرمهما عليه لأنه لو وطئهما كان مقتحما للحرام قطعا ، وإن وطئ إحداهما وقال : أقتصر على هذه ، كان متحكما بتعيينها من غير ترجيح .
ففي هذا افترق حكم شخص واحد أو شخصين ; لأن التحريم على شخص واحد متحقق بخلاف الشخصين .
إذ كل واحد شك في التحريم في حق نفسه .