فإن الذي خلقه الله من الفواكه والحبوب زائد عن قدر توسع الخلق وترفههم ، فكيف على قدر حاجتهم ، ثم يؤدي ذلك إلى سقوط الحج والزكاة والكفارات المالية وكل عبادة نيطت بالغنى عن الناس إذا أصبح الناس لا يملكون إلا قدر حاجتهم ، وهو في غاية القبح بل أقول لو ورد نبي في مثل هذا الزمان لوجب عليه أن يستأنف الأمر ويمهد تفصيل أسباب الأملاك بالتراضي وسائر الطرق ، ويفعل ما يفعله لو وجد جميع الأموال حلالا من غير فرق . وأما التضييع فهو أن ما فضل عن الحاجة من الفواكه واللحوم والحبوب ، ينبغي أن يلقى في البحر أو يترك حتى يتعفن
وأعني بقولي : يجب عليه إذا كان النبي ممن بعث لمصلحة الخلق في دينهم ودنياهم إذ لا يتم الصلاح برد الكافة إلى قدر الضرورة والحاجة إليه فإن لم يبعث للصلاح لم يجب هذا .
ونحن نجوز أن يقدر الله سببا يهلك به الخلق عن آخرهم فيفوت دنياهم ويضلون في دينهم ، فإنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويميت من يشاء ، ويحيي من يشاء ولكنا نقدر الأمر جاريا على ما ألف من سنة الله تعالى في بعثة الأنبياء لصلاح الدين والدنيا .
وما لي أقدر هذا ، وقد كان ما أقدره فلقد بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل وكان شرع عيسى عليه السلام قد مضى عليه قريب من ستمائة سنة .