والأموال كانت في أيدي المكذبين له والمصدقين ، أما المكذبون فكانوا يتعاملون بغير شرع عيسى عليه السلام وأما المصدقون فكان يتساهلون مع أصل التصديق كما يتساهل الآن المسلمون مع أن العهد بالنبوة أقرب فكانت الأموال كلها أو أكثرها أو كثير منها حراما وعفا صلى الله عليه وسلم عما سلف ولم يتعرض له وخصص أصحاب الأيدي بالأموال ومهد الشرع وما ثبت تحريمه في شرع لا ينقلب حلالا لبعثة رسول ولا ينقلب حلالا بأن يسلم الذي في يده الحرام فإنا لا نأخذ في الجزية من أهل الذمة ما نعرفه بعينه أنه ثمن خمر أو مال ربا فقد كانت أموالهم في ذلك الزمان كأموالنا الآن وأمر العرب كان أشد لعموم النهب والغارة فيهم .
فبان أن الاحتمال الرابع متعين في الفتوى والاحتمال الخامس هو طريق الورع بل تمام الورع وترك التوسع في الدنيا بالكلية وذلك طريق الآخرة . الاقتصار في المباح على قدر الحاجة
ونحن الآن نتكلم في الفقه المنوط بمصالح الخلق وفتوى الظاهر له حكم ومنهاج على حسب مقتضى المصالح وطريق الدين الذي لا يقدر على سلوكه إلا الآحاد ولو اشتغل الخلق كلهم به لبطل النظام وخرب العالم ، فإن ذلك طلب ملك كبير في الآخرة ولو اشتغل كل الخلق بطلب ملك الدنيا وتركوا الحرف الدنيئة والصناعات الخسيسة لبطل النظام ثم يبطل ببطلانه الملك أيضا .
فالمحترفون إنما سخروا لينتظم الملك للملوك ، وكذلك المقبلون على الدنيا سخروا ليسلم طريق الدين لذوي الدين ، وهو ملك الآخرة ولولاه لما سلم لذوي الدين أيضا دينهم فشرط سلامة الدين لهم أن يعرض الأكثرون عن طريقهم ويشتغلوا بأمور الدنيا وذلك قسمة سبقت بها المشيئة الأزلية وإليه الإشارة بقوله تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا .
فإن قيل : لا حاجة إلى تقدير عموم التحريم حتى لا يبقى حلال ، فإن ذلك غير واقع وهو معلوم ولا شك في أن البعض حرام ، وذلك البعض هو الأقل أو الأكثر فيه نظر ، وما ذكرتموه من أنه الأقل بالإضافة إلى الكل جلي ولكن لا بد من دليل محصل على تجويزه ليس من المصالح المرسلة ، وما ذكرتموه من التقسيمات كلها مصالح مرسلة فلا بد لها من شاهد معين تقاس عليه حتى يكون الدليل مقبولا بالاتفاق ، فإن . بعض العلماء لا يقبل المصالح المرسلة