فأقول : إن سلم أن الحرام هو الأقل فيكفينا برهانا عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة مع وجود الربا والسرقة والغلول والنهب فبرهانه ثلاثة أمور: وإن قدر زمان يكون الأكثر الحرام هو فيحل التناول أيضا
الأول التقسيم الذي حصرناه وأبطلنا منه أربعة ، وأثبتنا القسم الخامس ، فإن ذلك إذا أجري فيما إذا كان الكل حراما كان أحرى فيما إذا كان الحرام هو الأكثر أو الأقل وقول القائل هو مصلحة مرسلة هوس فإن ذلك إنما تخيل من تخيله في أمور مظنونة وهذا مقطوع به فإنا لا نشك في أن مصلحة الدين والدنيا مراد الشرع وهو معلوم بالضرورة ، وليس بمظنون ، ولا شك في أن رد كافة الناس إلى قدر الضرورة أو الحاجة أو الحشيش والصيد مخرب للدنيا أولا وللدين بواسطة الدنيا ثانيا ، فما لا يشك فيه لا يحتاج إلى أصل يشهد له ، وإنما يستشهد على الخيالات المظنونة المتعلقة بآحاد الأشخاص .
. البرهان الثاني : أن يعلل بقياس محرر مردود إلى أصل يتفق الفقهاء الآنسون بالأقيسة الجزئية عليه وإن كانت الجزئيات مستحقرة عند المحصلين بالإضافة إلى مثل ما ذكرناه من الأمر الكلي الذي هو ضرورة النبي لو بعث في زمان عم التحريم فيه ، حتى لو حكم بغيره لخرب العالم والقياس المحرر الجزئي هو أنه قد تعارض أصل وغالب فيما انقطعت فيه العلامات المعينة من الأمور التي ليس محصورة فيحكم بالأصل لا بالغالب قياسا على طين الشوارع وجرة النصرانية ، وأواني المشركين وذلك قد أثبتناه من قبل بفعل الصحابة وقولنا : انقطعت العلامات المعينة احتراز عن الأواني التي يتطرق الاجتهاد إليها وقولنا : ليست محصورة احتراز عن التباس الميتة والرضيعة بالذكية والأجنبية فإن قيل : كون الماء طهورا مستيقن وهو الأصل ومن يسلم أن الأصل في الأموال الحل ، بل الأصل فيها التحريم .
فنقول الأمور : لا تحرم لصفة في عينها حرمة الخمر والخنزير خلقت على صفة تستعد لقبول المعاملات بالتراضي كما خلق الماء مستعدا للوضوء وقد وقع الشك في بطلان هذا الاستعداد منهما ، فلا فرق بين الأمرين ، فإنها تخرج عن قبول المعاملة بالتراضي بدخول الظلم عليها كما يخرج الماء عن قبول الوضوء بدخول النجاسة عليه ولا فرق بين الأمرين .
والجواب الثاني أن اليد دلالة ظاهرة دالة على الملك نازلة منزلة الاستصحاب ، وأقوى منه بدليل أن الشرع ألحقه به إذ من ادعى عليه دين فالقول قوله لأن الأصل براءة ذمته وهذا ، استصحاب .
ومن ادعي عليه ملك في يده فالقول أيضا قوله إقامة لليد مقام الاستصحاب ، فكل ما وجد في يد إنسان فالأصل أنه ملكه ما لم يدل على خلافه علامة معينة .
البرهان الثالث هو أن كل ما دل على جنس لا يحصر ولا يدل على معين لم يعتبر وإن كان قطعا فبأن لا يعتبر إذا دل بطريق الظن أولى وبيانه أن ما علم أنه ملك زيد فحقه يمنع من التصرف فيه بغير إذنه ولو علم أن له مالكا في العالم ولكن وقع اليأس عن الوقوف عليه وعلى وارثه فهو مال مرصد لمصالح المسلمين يجوز التصرف فيه بحكم المصلحة ولو دل على أن له مالكا محصورا في عشرة مثلا ، أو عشرين امتنع التصرف فيه بحكم المصلحة فالذي يشك في أن له مالكا سوى صاحب اليد أم لا ، لا يزيد على الذي يتيقن قطعا أن له مالكا ولكن لا يعرف عينه فليجز التصرف فيه بالمصلحة ، والمصلحة ما ذكرناه في الأقسام الخمسة فيكون هذا الأصل شاهدا له وكيف لا ، ومن المصالح الفقراء وغيرهم فلو صرف إلى فقير ملكه ونفذ فيه تصرفه فلو سرقه منه سارق قطعت يده فكيف نفذ تصرفه في ملك الغير ليس ذلك إلا لحكمنا بأن المصلحة تقتضي أن ينتقل الملك إليه ويحل له فقضينا بموجب المصلحة . وكل مال ضائع فقد مالكه يصرفه السلطان إلى المصالح
فإن قيل ذلك يختص بالتصرف فيه السلطان .
فنقول : والسلطان لم يجوز له التصرف في ملك غيره بغير إذنه لا سبب له إلا المصلحة ، وهو أنه لو ترك لضاع فهو مردد بين تضييعه وصرفه إلى مهم والصرف إلى مهم أصلح من التضييع فرجح عليه والمصلحة فيما يشك فيه ولا يعلم تحريمه أن يحكم فيه بدلالة اليد ويترك على أرباب الأيدي إذ انتزاعها بالشك وتكليفهم الاقتصار على الحاجة يؤدي إلى الضرر الذي ذكرناه وجهات المصلحة تختلف فإن السلطان تارة يرى أن المصلحة أن يبني بذلك المال قنطرة وتارة أن يصرفه إلى جند الإسلام وتارة إلى الفقراء ويدور مع المصلحة كيفما دارت وكذلك ، الفتوى في مثل هذا تدور على المصلحة وقد خرج من هذا كما لم يؤاخذ السلطان والفقراء الآخذون منه بعلمهم أن المال له مالك حيث لم يتعلق العلم بعين مالك مشار إليه ، ولا فرق بين عين المالك وبين عين الأملاك في هذا المعنى فهذا بيان شبهة الاختلاط ولم يبق إلا النظر في امتزاج المائعات والدراهم والعروض في يد مالك واحد وسيأتي بيانه في باب تفصيل طريق الخروج من المظالم . أن الخلق غير مأخوذين في أعيان الأموال بظنون لا تستند إلى خصوص دلالة في ملك الأعيان