الحالة الثانية : . أن يدخل عليك السلطان الظالم زائرا فجواب السلام لا بد منه
وأما القيام والإكرام له فلا يحرم مقابلة له على إكرامه .
فإنه بإكرام العلم والدين مستحق للإحماد كما أنه بالظلم مستحق للإبعاد .
فالإكرام بالإكرام والجواب بالسلام .
ولكن الأولى أن لا يقوم إن كان معه في خلوة ليظهر له بذلك عز الدين وحقارة الظلم ويظهر غضبه للدين وإعراضه عمن أعرض عن الله فأعرض الله تعالى عنه .
وإن كان الداخل عليه في جمع فمراعاة حشمة أرباب الولايات فيما بين الرعايا مهم فلا بأس بالقيام على هذه النية .
وإن علم أن ذلك لا يورث فسادا في الرعية ولا يناله أذى من غضبه ثم يجب عليه بعد أن وقع اللقاء أن ينصحه فإن كان قارف ما لا يعرف تحريمه وهو يتوقع أن يتركه إذا عرف فليعرفه فذلك واجب . فترك الإكرام بالقيام أولى
وأما ، ذكر تحريم ما يعلم تحريمه من السرف والظلم فلا فائدة فيه بل عليه أن يخوفه فيما يرتكبه من المعاصي مهما ظن أن التخويف يؤثر فيه .
وعليه أن يرشده إلى طريق المصلحة إن كان يعرف طريقا على وفق الشرع بحيث يحصل بها غرض الظالم من غير معصية ليصده بذلك عن الوصول إلى غرضه بالظلم .
فإذا يجب عليه التعريف في محل جهله والتخويف فيما هو مستجرئ عليه والإرشاد إلى ما هو غافل عنه مما يغنيه عن الظلم ، فهذه ثلاثة أمور تلزمه إذا توقع للكلام فيه أثرا وذلك أيضا لازم على كل من اتفق له دخول على السلطان بعذر أو بغير عذر .
وعن محمد بن صالح قال : كنت عند حماد بن سلمة وإذا ليس في البيت إلا حصير وهو جالس عليه ومصحف يقرأ فيه ، وجراب فيه علمه ومطهرة يتوضأ منها فبينا أنا عنده إذ دق داق الباب ، فإذا هو محمد بن سليمان ، فأذن له فدخل وجلس بين يديه ثم قال له ما لى : إذا رأيتك امتلأت منك رعبا قال حماد : لأنه قال عليه السلام : إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء وإن ، أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء .
ثم عرض عليه أربعين ألف درهم وقال : تأخذها وتستعين بها قال : ارددها على من ظلمته بها .
قال والله ما أعطيتك إلا مما ورثته ، قال : لا حاجة لي بها فتأخذها : فتقسمها قال : إن عدلت في قسمتها أخاف أن يقول بعض من لم يرزق منها ، إنه لم يعدل في قسمتها فيأثم فازوها عني . لعلي