القسم الثالث : أن ، بل يرجع إلى حظوظه في الآخرة ، فهذا أيضا ظاهر لا غموض فيه وذلك كمن يحب أستاذه وشيخه ؛ لأنه يتوصل به إلى تحصيل العلم وتحسين العمل ومقصوده من العلم والعمل الفوز في الآخرة فهذا ، من جملة المحبين في الله وكذلك من يحب تلميذه ؛ لأنه يتلقف منه العلم وينال بواسطته رتبة التعليم ويرقى به إلى درجة التعظيم في ملكوت السماء ، إذ قال يحبه لا لذاته بل لغيره ، وذلك الغير ليس راجعا إلى حظوظه في الدنيا عيسى صلى الله عليه وسلم : من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء .
ولا يتم التعلم إلا بمتعلم فهو إذن آلة في تحصيل هذا الكمال فإن ، أحبه ؛ لأنه آلة له إذ جعل صدره مزرعة لحرثه الذي هو سبب ترقية إلى رتبة التعظيم في ملكوت السماء ، فهو محب في الله بل الذي يتصدق بأمواله لله ويجمع الضيفان ويطهي لهم الأطعمة اللذيذة الغريبة تقربا إلى الله فأجد ، طباخا لحسن صنعته في الطبخ فهو من جملة المحبين في الله وكذا لو أحب من يتولى له إيصال الصدقة إلى المستحقين فقد أحبه في الله بل تزيد على هذا ونقول إذا أحب من يخدمه بنفسه في غسل ثيابه وكنس بيته وطبخ طعامه ، ويفرغه بذلك للعلم أو العمل ومقصوده من استخدامه في هذه الأعمال الفراغ للعبادة فهو محب في الله بل نزيد عليه ونقول إذا أحب من ينفق عليه من ماله ويواسيه بكسوته وطعامه ومسكنه وجميع أغراضه التي يقصدها في دنياه ومقصوده من جملة ذلك الفراغ للعلم والعمل المقرب إلى الله فهو محب في الله .
فقد كان جماعة من السلف تكفل بكفايتهم جماعة من أولي الثروة وكان المواسي والمواسى جميعا من المتحابين في الله بل نزيد عليه ونقول : من نكح امرأة صالحة ليتحصن بها عن وسواس الشيطان يصون بها دينه أو ليولد منها له ولد صالح يدعو له وأحب زوجته لأنها آلة إلى هذه المقاصد الدينية ، فهو محب في الله .
ولذلك وردت الأخبار حتى اللقمة يضعها الرجل في في امرأته . بوفور الأجر والثواب على الإنفاق على العيال
بل نقول : كل من استهتر بحب الله وحب رضاه وحب لقائه في الدار الآخرة ، فإذا أحب غيره كان محبا في الله لأنه لا يتصور أن يحب شيئا إلا لمناسبته لما هو محبوب عنده ، وهو رضا الله عز وجل بل أزيد على هذا ، وأقول : إذا اجتمع في قلبه محبتان ؛ محبة الله ومحبة الدنيا ، واجتمع في شخص واحد المعنيان جميعا حتى صلح لأن يتوسل ؛ به إلى الله وإلى الدنيا فإذا أحبه لصلاحه للأمرين ، فهو من المحبين في الله كمن يحب أستاذه الذي يعلمه الدين ويكفيه مهمات الدنيا بالمواساة في المال ، فأحبه من حيث إن في طبعه طلب الراحة في الدنيا والسعادة في الآخرة فهو ، وسيلة إليهما ، فهو محب في الله وليس من شرط حب الله أن لا يحب في العاجل حظا البتة إذ الدعاء الذي أمر به الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه فيه جمع بين الدنيا والآخرة ومن ، ذلك قولهم : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقال عيسى عليه السلام في دعائه اللهم لا تشمت بي عدوي ولا تسؤ بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي لديني ، ولا تجعل الدنيا أكبر همي فدفع شماتة الأعداء من حظوظ الدنيا ، ولم يقل : ولا تجعل الدنيا أصلا من همي ، بل قال : لا تجعلها أكبر همي .
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم في دعائه : اللهم إني أسألك رحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة .
وقال اللهم عافني من بلاء الدنيا وبلاء الآخرة .