ومن ذلك فليس حاجة أخيك إلى العلم بأقل من حاجته إلى المال فإن كنت غنيا بالعلم فعليك مواساته من فضلك وإرشاده إلى كل ما ينفعه في الدين والدنيا فإن علمته وأرشدته ولم يعمل بمقتضى العلم فعليك النصيحة وذلك بأن تذكر آفات ذلك الفعل وفوائد تركه وتخوفه بما يكرهه في الدنيا والآخرة لينزجر عنه وتنبهه على عيوبه وتقبح القبيح في عينه وتحسن الحسن ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر لا يطلع عليه أحد ، فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة ، وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة إذ قال صلى الله عليه وسلم : التعليم والنصيحة . " المؤمن مرآة المؤمن
" أي يرى منه ما لا يرى من نفسه ، فيستفيد المرء بأخيه معرفة عيوب نفسه ، ولو انفرد لم يستفد كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة .
وقال الشافعي رضي الله عنه: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه .
وقيل لمسعر أتحب من يخبرك بعيوبك ؟ فقال : إن نصحني فيما بيني وبينه فنعم وإن قرعني بين الملأ فلا .
وقد صدق فإن النصح على الملأ فضيحة والله تعالى يعاتب المؤمن يوم القيامة تحت كنفه في ظل ستره فيوقفه على ذنوبه سرا وقد يدفع كتاب عمله مختوما إلى الملائكة الذين يحفون به إلى الجنة فإذا قاربوا باب الجنة أعطوه الكتاب مختوما ليقرأه وأما أهل المقت فينادون على رءوس الأشهاد وتستنطق جوارحهم بفضائحهم فيزدادون بذلك خزيا وافتضاحا ونعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر .