وقد ذكرنا في كتاب العزلة فوائد المخالطة ، والسفر مخالطة مع زيادة اشتغال واحتمال مشاق .
وأما آيات الله في أرضه ففي مشاهدتها فوائد للمستبصر ففيها قطع متجاورات وفيها الجبال والبراري والبحار وأنواع الحيوان والنبات وما من شيء منها إلا وهو شاهد لله بالوحدانية ومسبح له بلسان ذلق لا يدركه إلا من ألقى السمع وهو شهيد .
وأما الجاحدون والغافلون والمغترون بلامع السراب من زهرة الدنيا فإنهم لا يبصرون ولا يسمعون لأنهم عن السمع معزولون ، وعن آيات ربهم محجوبون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، وهم عن الآخرة هم غافلون وما أريد بالسمع السمع الظاهر فإن الذين أريدوا به ما كانوا معزولين عنه وإنما أريد به السمع الباطن ولا يدرك بالسمع الظاهر إلا الأصوات .
ويشارك الإنسان فيه سائر الحيوانات .
فأما السمع الباطن فيدرك به لسان الحال الذي هو نطق وراء نطق المقال يشبه قول القائل حكاية لكلام الوتد والحائط قال الجدار للوتد : لم تشقني ? فقال : سل من يدقني ولم يتركني وراء الحجر الذي ورائي .
وأنواع شاهدات لصانعها بالتقدس هي تسبيحها ولكن لا يفقهون تسبيحها ; لأنهم لم يسافروا من مضيق سمع الظاهر إلى فضاء سمع الباطن ومن ركاكة لسان المقال إلى فصاحة لسان الحال ولو قدر كل عاجز على مثل هذا السير لما كان وما من ذرة في السماوات والأرض إلا ولها أنواع شاهدات لله تعالى بالوحدانية هي توحيدها سليمان عليه السلام مختصا بفهم منطق الطير ولما كان موسى عليه السلام مختصا بسماع كلام الله تعالى الذي يجب تقديسه عن مشابهة الحروف والأصوات .