بيان . الدليل على إباحة السماع
اعلم أن قول القائل : السماع حرام معناه أن الله تعالى يعاقب عليه وهذا أمر لا يعرف بمجرد العقل بل بالسمع ومعرفة الشرعيات محصورة في النص أو القياس على المنصوص .
وأعني بالنص ما أظهره صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله وبالقياس المعنى المفهوم من ألفاظه وأفعاله .
فإن لم يكن فيه نص ولم يستقم فيه قياس على منصوص بطل القول بتحريمه وبقي فعلا لا حرج فيه كسائر المباحات .
ولا يدل على تحريم السماع نص ولا قياس ويتضح ذلك في جوابنا عن أدلة المائلين إلى التحريم .
ومهما تم الجواب عن أدلتهم كان ذلك مسلكا كافيا في إثبات هذا الغرض لكن نستفتح ونقول : قد دل النص والقياس جميعا على إباحته .
أما القياس فهو أن الغناء اجتمعت فيه معان ينبغي أن يبحث عن أفرادها ثم عن مجموعها فإن فيه سماع صوت طيب موزون مفهوم المعنى محرك للقلب ، فالوصف الأعم أنه صوت طيب .
ثم الطيب ينقسم إلى الموزون وغيره .
والموزون ينقسم إلى المفهوم كالأشعار وإلى غير المفهوم كأصوات الجمادات وسائر الحيوانات .
أما من حيث إنه طيب فلا ينبغي أن يحرم بل هو حلال بالنص والقياس ، أما القياس فهو أنه يرجع إلى تلذذ حاسة السمع بإدراك ما هو مخصوص به وللإنسان عقل وخمس حواس ولكل حاسة إدراك ، وفي مدركات تلك الحاسة ما يستلذ ، فلذة النظر في المبصرات الجميلة كالخضرة والماء الجاري والوجه الحسن وبالجملة سائر الألوان الجميلة وهي في مقابلة ما يكره من الألوان الكدرة القبيحة . سماع الصوت الطيب
وللشم الروائح الطيبة وهي في مقابلة الأنتان المستكرهة .
وللذوق الطعوم اللذيذة كالدسومة والحلاوة والحموضة وهي في مقابلة المرارة المستبشعة .
، وللمس لذة اللين والنعومة والملاسة ، وهي في مقابلة الخشونة والضراسة .
وللعقل لذة العلم والمعرفة وهي في مقابلة الجهل والبلادة .
، فكذلك الأصوات المدركة بالسمع تنقسم إلى مستلذة كصوت العنادل والمزامير ومستكرهة كنهيق الحمير وغيرها .
، فما أظهر قياس هذه الحاسة ولذتها على سائر الحواس ولذاتها .
أما ، النص فيدل على إباحة سماع الصوت الحسن امتنان الله تعالى على عباده إذ قال يزيد في الخلق ما يشاء فقيل هو الصوت الحسن وفي الحديث : . ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت
وقال صلى الله عليه وسلم : وفي الحديث في معرض المدح لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة لقينته لداود عليه السلام .
أنه كان حسن الصوت في النياحة على نفسه ، وفي تلاوة الزبور حتى كان يجتمع الإنس والجن والوحوش والطير لسماع صوته ، وكان يحمل في مجلسه أربعمائة جنازة وما يقرب منها في الأوقات .
وقال صلى الله عليه وسلم : في مدح أبي موسى الأشعري لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود .
وقول الله تعالى : إن أنكر الأصوات لصوت الحمير يدل بمفهومه على مدح الصوت الحسن .
ولو جاز أن يقال : إنما أبيح ذلك بشرط أن يكون في القرآن للزمه أن يحرم سماع صوت العندليب ; لأنه ليس من القرآن .
وإذا جاز سماع صوت غفل لا معنى له فلم لا يجوز سماع صوت يفهم منه الحكمة والمعاني الصحيحة وإن من الشعر لحكمة .
فهذا نظر في الصوت من حيث إنه طيب حسن .