الباب الرابع في تقدم أخذ الميثاق عليه، زاده الله تعالى شرفا وفضلا لديه
روى ابن سعد عن مرسلا قال: الشعبي
قال: «وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق» . قال رجل: يا رسول الله متى استنبئت؟
وروى أبو سهل القطان في أماليه، عن سهل بن صالح الهمذاني، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي: كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث؟ قال: إن الله لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم، كان محمد صلى الله عليه وسلم أول من قال بلى. ولذلك صار يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث.
قال الحافظ ابن رجب في اللطائف: وخبر يدل على أنه الشعبي آدم طينا استخرج وأخذ منه صلى الله عليه وسلم ونبئ وأخذ منه الميثاق، ثم أعيد إلى ظهر من حين صور آدم حتى يخرج وقت خروجه الذي قد رأيت خروجه فيه، فهو أولهم خلقا، وآخرهم بعثا، وهو آخر النبيين باعتبار أن زمانه تأخر عنهم.
لا يقال: خلق آدم قبله، لأن آدم كان حينئذ هواء لا روح فيه، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان حيا حين استخرج ونبئ وأخذ منه الميثاق، ولا يقال إن استخراج ذرية آدم منه كان بعد نفخ الروح فيه، كما دل عليه أكثر الأحاديث والذي تقرر أنه استخرج ونبئ قبل نفخ الروح في آدم، لأنه صلى الله عليه وسلم خص باستخراجه من ظهر آدم قبل نفخ الروح فيه فإن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المقصود من خلق النوع الإنساني، وهو عينه وخلاصته. ويستدل بخبر وغيره مما تقدم في الباب السابق على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبيا، فإن نبوته وجبت له حين أخذ الميثاق حيث استخرج من صلب الشعبي آدم فكان نبيا حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه [ ص: 84 ] نبيا كمن تولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته، وإن كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت. والأحاديث السابقة في باب تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم صريحة في ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم. [ ص: 85 ]