فيه أربع مسائل :
الأولى : فقال الملأ قال قوله تعالى : : الملأ الرؤساء ; أي هم مليئون بما يقولون . وقد تقدم هذا في " البقرة " وغيرها . أبو إسحاق الزجاج
ما نراك إلا بشرا مثلنا أي آدميا . " مثلنا " نصب على الحال . و " مثلنا " مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدر فيه التنوين ; كما قال الشاعر :
يا رب مثلك في النساء غريرة
الثانية : وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا أراذل جمع أرذل ، وأرذل جمع رذل ; مثل كلب وأكلب وأكالب . وقيل : والأراذل جمع الأرذل ، كأساود جمع الأسود من الحيات . والرذل النذل ; أرادوا اتبعك أخساؤنا وسقطنا وسفلتنا . قال قوله تعالى : الزجاج : نسبوهم إلى الحياكة ; ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة . قال النحاس : الأراذل هم الفقراء ، والذين لا حسب لهم ، والخسيسو الصناعات . وفي الحديث أنهم كانوا حاكة وحجامين . وكان هذا جهلا منهم ; لأنهم عابوا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بما لا عيب فيه ; لأن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات ، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات ، وهم يرسلون إلى الناس جميعا ، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان ; لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم .
[ ص: 23 ] قلت : الأراذل هنا هم الفقراء والضعفاء ; كما قال هرقل لأبي سفيان : أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فقال : بل ضعفاؤهم ; فقال : هم أتباع الرسل . قال علماؤنا : إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف ، وصعوبة الانفكاك عنها ، والأنفة من الانقياد للغير ; والفقير خلي عن تلك الموانع ، فهو سريع إلى الإجابة والانقياد . وهذا غالب أحوال أهل الدنيا .
الثالثة : اختلف العلماء في تعيين السفلة على أقوال ; فذكر ابن المبارك عن سفيان أن السفلة هم الذين يتقلسون ، ويأتون أبواب القضاة والسلاطين يطلبون الشهادات وقال ثعلب عن ابن الأعرابي : السفلة الذين يأكلون الدنيا بدينهم ; قيل له : فمن سفلة السفلة ؟ قال : الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه . وسئل علي - رضي الله عنه - عن السفلة فقال : الذين إذا اجتمعوا غلبوا ; وإذا تفرقوا لم يعرفوا . وقيل - رضي الله عنه - : من السفلة ؟ قال : الذي يسب الصحابة . وروي عن لمالك بن أنس ابن عباس - رضي الله عنهما - : الأرذلون الحاكة والحجامون . : الدباغ والكناس إذا كان من غير العرب . يحيى بن أكثم
الرابعة : إذا قالت المرأة لزوجها : يا سفلة ، فقال : إن كنت منهم فأنت طالق ; فحكى النقاش أن رجلا جاء إلى الترمذي فقال : إن امرأتي قالت لي يا سفلة ، فقلت : إن كنت سفلة فأنت طالق ; قال الترمذي : ما صناعتك ؟ قال : سماك ; قال : سفلة والله ، سفلة والله سفلة . قلت : وعلى ما ذكره ابن المبارك عن سفيان لا تطلق ، وكذلك على قول مالك ، لا يلزمه شيء . وابن الأعرابي
بادي الرأي أي ظاهر الرأي ، وباطنهم على خلاف ذلك . يقال : بدا يبدو . إذا ظهر ; كما قال :
فاليوم حين بدون للنظار
ويقال للبرية بادية لظهورها . وبدا لي أن أفعل كذا ، أي ظهر لي رأي غير الأول . وقال الأزهري : معناه فيما يبدو لنا من الرأي . ويجوز أن يكون بادي الرأي من بدأ يبدأ وحذف الهمزة . وحقق أبو عمرو الهمزة فقرأ : " بادئ الرأي " أي أول الرأي ; أي اتبعوك حين ابتدءوا ينظرون ، ولو أمعنوا النظر والفكر لم يتبعوك ; ولا يختلف المعنى هاهنا بالهمز وترك [ ص: 24 ] الهمز . وانتصب على حذف " في " كما قال - عز وجل - : واختار موسى قومه .
وما نرى لكم علينا من فضل أي في اتباعه ; وهذا جحد منهم لنبوته - صلى الله عليه وسلم -
بل نظنكم كاذبين الخطاب لنوح ومن آمن معه .