القول في تأويل قوله : ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ( 123 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به وبرسوله : " يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، قاتلوا من وليكم من الكفار دون من بعد منهم . يقول لهم : ابدءوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارا ، دون الأبعد فالأبعد . وكان الذين يلون المخاطبين بهذه الآية يومئذ ، الروم ؛ لأنهم كانوا سكان الشأم يومئذ ، والشأم كانت أقرب إلى المدينة من العراق . فأما بعد أن فتح الله على المؤمنين البلاد ، فإن الفرض على [ ص: 575 ] أهل كل ناحية قتال من وليهم من الأعداء دون الأبعد منهم ، ما لم يضطر إليهم أهل ناحية أخرى من نواحي بلاد الإسلام ، فإن اضطروا إليهم لزمهم عونهم ونصرهم ؛ لأن المسلمين يد على من سواهم .
ولصحة كون ذلك كذلك تأول كل من تأول هذه الآية أن معناها إيجاب الفرض على أهل كل ناحية قتال من وليهم من الأعداء .
ذكر الرواية بذلك :
17481 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن شبيب بن غرقدة البارقي ، عن رجل من بني تميم قال : سألت ابن عمر عن قتال الديلم قال : عليك بالروم .
17482 - حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق قالوا : حدثنا وسفيان بن وكيع أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن يونس عن الحسن : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) قال : الديلم .
17483 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الربيع ، عن الحسن : أنه كان إذا سئل عن قتال الروم والديلم ، تلا هذه الآية : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) .
17484 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب قال : حدثنا عمران أخي قال : سألت فقلت : ما ترى في قتال الديلم ؟ فقال : [ ص: 576 ] قاتلوهم ورابطوهم ؛ فإنهم من الذين قال الله : ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) .
17485 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن الربيع ، عن الحسن : أنه سئل عن الشأم والديلم فقال : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) : الديلم .
17486 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا الوليد قال : سمعت أبا عمرو وسعيد بن عبد العزيز يقولان : يرابط كل قوم ما يليهم من مسالحهم وحصونهم ، ويتأولان قول الله : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) .
17487 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) قال : كان الذين يلونهم من الكفار العرب ، فقاتلهم حتى فرغ منهم . فلما فرغ قال الله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) حتى بلغ ( وهم صاغرون ) [ سورة التوبة : 29 ] . قال : فلما فرغ من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب . قال : وجهادهم أفضل الجهاد عند الله .
وأما قوله : ( وليجدوا فيكم غلظة ) فإن معناه : وليجد هؤلاء الكفار الذين تقاتلونهم ( فيكم ) أي : منكم شدة عليهم ( واعلموا أن الله مع المتقين ) يقول : وأيقنوا عند قتالكم إياهم أن الله معكم ، وهو ناصركم عليهم ، فإن اتقيتم الله وخفتموه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، فإن الله ناصر من اتقاه ومعينه .