القول في اذهب إلى فرعون إنه طغى ( 24 ) تأويل قوله تعالى : ( قال رب اشرح لي صدري ( 25 ) ويسر لي أمري ( 26 ) واحلل عقدة من لساني ( 27 ) يفقهوا قولي ( 28 ) واجعل لي وزيرا من أهلي ( 29 ) هارون أخي ( 30 ) ) [ ص: 299 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه موسى صلوات الله عليه : ( اذهب ) يا موسى ( إلى فرعون إنه طغى ) . يقول : إنه تجاوز قدره ، وتمرد على ربه; وقد بينا معنى الطغيان بما مضى بما أغنى عن إعادته ، في هذا الموضع .
وفي الكلام محذوف استغني بفهم السامع بما ذكر منه ، وهو قوله ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) فادعه إلى توحيد الله وطاعته ، وإرسال بني إسرائيل معك ( قال رب اشرح لي صدري ) يقول : رب اشرح لي صدري ، لأعي عنك ما تودعه من وحيك ، وأجترئ به على خطاب فرعون
( ويسر لي أمري ) يقول : وسهل علي القيام بما تكلفني من الرسالة ، وتحملني من الطاعة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( رب اشرح لي صدري ) قال : جرأة لي .
وقوله ( واحلل عقدة من لساني ) يقول : وأطلق لساني بالمنطق ، وكانت فيه فيما ذكر عجمة عن الكلام الذي كان من إلقائه الجمرة إلى فيه يوم هم فرعون بقتله .
ذكر الرواية بذلك عمن قاله : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( عقدة من لساني ) قال : عجمة لجمرة نار أدخلها في فيه عن أمر امرأة فرعون ، ترد به عنه عقوبة فرعون ، حين أخذ موسى بلحيته وهو لا يعقل ، فقال : هذا عدو لي ، فقالت له . إنه لا يعقل .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ( واحلل عقدة من لساني ) لجمرة نار أدخلها في فيه عن أمر امرأة فرعون ، تدرأ به عنه عقوبة فرعون ، حين أخذ موسى بلحيته وهو لا يعقل ، فقال : هذا عدو لي ، فقالت له : إنه لا يعقل ، هذا قول سعيد بن جبير .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، قوله ( واحلل عقدة من لساني ) قال : عجمة الجمرة نار أدخلها في فيه ، عن أمر امرأة فرعون ترد به عنه عقوبة فرعون حين أخذ بلحيته . [ ص: 300 ]
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن قال : لما تحرك الغلام ، يعني موسى ، أورته أمه آسية صبيا ، فبينما هي ترقصه وتلعب به ، إذ ناولته فرعون ، وقالت : خذه ، فلما أخذه إليه أخذ موسى بلحيته فنتفها ، فقال فرعون : علي بالذباحين ، قالت آسية : ( السدي ، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) إنما هو صبي لا يعقل ، وإنما صنع هذا من صباه ، وقد علمت أنه ليس في أهل مصر أحلى منى أنا أضع له حليا من الياقوت ، وأضع له جمرا ، فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه ، وإن أخذ الجمر فإنه هو صبي ، فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طستا من جمر ، فجاء جبرائيل صلى الله عليه وسلم ، فطرح في يده جمرة ، فطرحها موسى في فيه ، فأحرقت لسانه ، فهو الذي يقول الله عز وجل ( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) ، فزالت عن موسى من أجل ذلك .
وقوله ( يفقهوا قولي ) يقول : يفقهوا عني ما أخاطبهم وأراجعهم به من الكلام ( واجعل لي وزيرا من أهلي ) يقول : واجعل لي عونا من أهل بيتي ( هارون أخي ) .
وفي نصب هارون وجهان : أحدهما أن يكون هارون منصوبا على الترجمة عن الوزير .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، ابن عباس : كان هارون أكبر من موسى .