[ ص: 280 ] القول في تأويل وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ( 244 ) ) قوله (
قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : " وقاتلوا " أيها المؤمنون " في سبيل الله " يعني : في دينه الذي هداكم له ، لا في طاعة الشيطان ، أعداء دينكم ، الصادين عن سبيل ربكم ، ولا تحتموا عن قتالهم عند لقائهم ، ولا تجبنوا عن حربهم ، فإن بيدي حياتكم وموتكم . ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت وخوف المنية على نفسه بقتالهم ، فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم والفرار منهم ، فتذلوا ، ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه ، كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت ، الذين قصصت عليكم قصتهم ، فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري ، وحل بهم قضائي ، ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه ، إذ دافعت عنهم مناياهم ، وصرفتها عن حوبائهم ، فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني ، فإن من حيي منكم فأنا أحييته ، ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله .
[ ص: 281 ] ثم قال - تعالى ذكره - لهم : واعلموا ، أيها المؤمنون ، أن ربكم " سميع " لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي : لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا " عليم " بما تجنه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم ، وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم ، ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي .
يقول - تعالى ذكره - لعباده المؤمنين : فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي ، وغير ذلك من أمري ونهيي ، إذ كفر هؤلاء نعمي . واعلموا أن الله سميع لقولهم ، وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر ، والطاعة والمعصية ، محيط بذلك كله ، حتى أجازي كلا بعمله ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا .
قال أبو جعفر : ولا وجه لقول من زعم أن قوله : " وقاتلوا في سبيل الله " أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال ، بعد ما أحياهم . لأن قوله : " وقاتلوا في سبيل الله " لا يخلو - إن كان الأمر على ما تأولوه - من أحد أمور ثلاثة :
إما أن يكون عطفا على قوله : " فقال لهم الله موتوا " وذلك من المحال أن يميتهم ، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله .
أو يكون عطفا على قوله : " ثم أحياهم " وذلك أيضا مما لا معنى له . لأن قوله : " وقاتلوا في سبيل الله " أمر من الله بالقتال ، وقوله : " ثم أحياهم " خبر عن فعل قد مضى . وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض ، لو كانا جميعا خبرين ، لاختلاف معنييهما . فكيف عطف الأمر على خبر ماض؟
أو يكون معناه : ثم أحياهم وقال لهم : قاتلوا في سبيل الله ، ثم أسقط " القول " [ ص: 282 ] كما قال - تعالى ذكره - : ( إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا ) [ سورة السجدة : 12 ] ، بمعنى يقولون : ربنا أبصرنا وسمعنا . وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه ، ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر . فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه ، فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها .