الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3517 حدثنا إسحق بن منصور حدثنا حبان بن هلال حدثنا أبان هو ابن يزيد العطار حدثنا يحيى أن زيد بن سلام حدثه أن أبا سلام حدثه عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا يحيى ) هو ابن أبي كثير الطائي ( أن زيد بن سلام ) بن أبي سلام الحبشي ( أن أبا سلام ) اسمه ممطور الحبشي ( عن أبي مالك الأشعري ) اسمه الحارث بن الحارث صحابي تفرد بالرواية عنه أبو سلام . قوله : ( الوضوء ) بضم أوله ( شطر الإيمان ) وفي رواية مسلم : الطهور شطر الإيمان . وفي حديث جري النهدي الآتي : الطهور نصف الإيمان . قال النووي : اختلف العلماء في معناه [ ص: 350 ] فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان ، وقيل معناه أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء إلا أن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر ، وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا وهذا القول أقرب الأقوال ، ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما شطران للإيمان والطهارة متضمنة الصلاة فهي انقياد في الظاهر انتهى ( والحمد لله تملأ الميزان ) معناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الإيمان وثقل الموازين وخفتها ( تملآن أو تملأ ) شك من الراوي ، قال النووي : ضبطناهما بالتاء المثناة من فوق ، وقال صاحب التحرير : يجوز يملآن بالتأنيث والتذكير جميعا . قال الطيبي فالأول أي تملآن ظاهر والثاني فيها ضمير الجملة أي الجملة الشاملة لهما ويمكن أن يكون الإفراد بتقدير كل واحدة منهما ( ما بين السماوات والأرض ) معناه أنه لو قدر ثوابهما جسما لملآ ما بين السماوات والأرض ، وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله بقوله سبحان الله . والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله الحمد لله ( والصلاة نور ) معناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر . وتهدي إلى الصواب . كما أن النور يستضاء به ، وقيل معناه أنه يكون أجرها نورا لصاحبها يوم القيامة وقيل ؛ لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف ، وانشراح القلب ، ومكاشفات الحقائق ؛ لفراغ القلب فيها وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه ، وقد قال الله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وقيل معناه أنها تكون نورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل ( والصدقة برهان ) معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به ، ويجوز أن يوسم المتصدق بسيما يعرف بها فيكون برهانا له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله ، وقيل معناه الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه ( والصبر ضياء ) معناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا ، والمراد أن الصبر المحمود لا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب . قال إبراهيم الخواص : الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة ( والقرآن حجة لك أو عليك ) معناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته [ ص: 351 ] وعملت به وإلا فهو حجة عليك ( كل الناس يغدو ) أي يصبح ( فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) أي كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية