( إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) أي إنه تعالى سريع العقاب لمن كفر به أو بنعمه وخالف شرعه وتنكب سننه ، وسرعة العقاب تصدق في الدنيا والآخرة ، فإن العقاب العام عبارة عما يترتب على ارتكاب الذنوب من سوء التأثير ، وهو في الدنيا ما حرمت لأجله من الضرر في النفس أو العقل أو العرض أو المال أو غير ذلك من الشئون الاجتماعية ، فإن الذنوب ما حرمت إلا لضررها ، وهو واقع مطرد في الدنيا في ذنوب الأمم وأكثري في ذنوب الأفراد ، ولكنه يطرد في الآخرة بتدنيسها النفس وتدسيتها كما وضحناه مرارا ، وقد يستبطئ الناس العقاب قبل وقوعه ; لأن ما في الغيب مجهول لديهم فيستبعدونه وهو عند الله معلوم مشهود فليس ببعيد ( إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) ( 70 : 6 ، 7 ) .
وإنه تعالى على سرعة عقابه وشدة عذابه للمشركين والكافرين غفور للتوابين الأوابين رحيم بالمؤمنين والمحسنين ، بل سبقت رحمته غضبه ووسعت كل شيء ، ولذلك جعل وقد يضاعفها بعد ذلك أضعافا كثيرة ، جزاء الحسنة عشر أمثالها وقد يغفرها لمن تاب منها ( وجزاء السيئة سيئة مثلها وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) ( 42 : 30 ) وقد أكد المغفرة والرحمة هنا بما لم يؤكد به العقاب وهو اللام فنسأله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا ويكفر عنا سيئاتنا . ويتغمدنا برحمته الواسعة ، ويجعل لنا نصيبا عظيما من رحمته الخاصة ، ويكون منه توفيقنا لإتمام تفسير كتابه على ما يحب ويرضى من هداية الأمة ، وكشف الغمة ، فنكون هادين مهديين ، وقد تم تفسير ربعه بفضله وتوفيقه والحمد لله رب العالمين .