57 -
على ستة أوجه : لا
أحدها : أن تكون للنفي ، وتدخل على الأسماء والأفعال ، فالداخلة على الأسماء تكون عاملة وغير عاملة . فالعاملة قسمان :
[ ص: 301 ] تارة تعمل عمل إن ، وهي النافية للجنس ، وهي تنفي ما أوجبته " إن " ، فلذلك تشبه بها في الأعمال ، نحو : لا تثريب عليكم ( يوسف : 92 ) ، لا مقام لكم ( الأحزاب : 13 ) لا جرم أن لهم النار ( النحل : 62 ) .
ويكثر حذف خبرها إذا علم ، نحو : لا ضير ( الشعراء : 50 ) فلا فوت ( سبأ : 51 ) وتارة تعمل عمل ليس .
وزعم في المفصل أنها غير عاملة ، وكذا قال الزمخشري الحريري في الدرة : إنها لا تأتي إلا لنفي الوحدة .
قال : وليس بصحيح بل يجوز أن يريد منه العموم ، كما في النصب ، وعليه قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، يعني فإنه نفي الجنس لما عطف . ابن بري
وكذلك قولك : لا رجل في الدار ولا امرأة ، تفيد نفي الجنس لأن العطف أفهم للعموم .
وممن نص على ذلك أبو البقاء في المحصل ، ويؤيده قوله تعالى : [ ص: 302 ] لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ( البقرة : 254 ) قرئ بالرفع والنصب فيهما ، والمعنى فيهما واحد .
وقال : ما قاله ابن الحاجب لا يستقيم ، ولا خلاف عند أصحاب الفهم أنه يستفاد العموم منه ، كما في المبنية على الفتح ، وإن كانت المبنية أقوى في الدلالة عليه ، إما لكونه نصا أو لكونه أقوى ظهورا ، وسبب العموم أنها نكرة في سياق النفي فتعم . الزمخشري
وقال ابن مالك في التحفة : قد تكون المشبه بليس نافية للجنس ، ويفرق فيها بين إرادة الجنس وغيره بالقرائن ، هذا كله في العاملة .
وأما غير العاملة فيرفع الاسم بعدها بالابتداء إذا لم يرد نفي العموم ، ويلزم التكرار . ثم تارة تكون نكرة كقوله : لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ( الصافات : 47 ) . لا بيع فيه ولا خلال ( إبراهيم : 31 ) .
وتارة تكون معرفة كقوله : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ( يس : 40 ) .
ولذلك يجب تكرارها إذا وليها نعت ، نحو : زيتونة لا شرقية ولا غربية ( النور : 35 ) وقوله تعالى : لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ( البقرة : 71 ) .
فإن قيل : لم لم تكررها وقد أوجبوا تكرارها في الصفات ؟ . وجوابه أنه من الكلام المحمول على المعنى ، والتقدير : لا تثير الأرض ، ولا ساقية للحرث ، أي لا تثير ولا تسقي .
وقال الراغب : هي في هذه الحالة تدخل في المتضادين ، ويراد بها إثبات الأمرين بهما جميعا ، نحو : زيد ليس بمقيم ولا ظاعن ، أي تارة يكون كذا ، وتارة يكون كذا ، وقد يراد إثبات حالة بينهما ، نحو : زيد ليس بأبيض ولا أسود .
[ ص: 303 ] ومنها قوله تعالى : لا شرقية ولا غربية ( النور : 35 ) قيل : معناه أنها شرقية وغربية . وقيل : معناه مصونة عن الإفراط والتفريط ، وأما الداخلة على الأفعال ، فتارة تكون لنفي الأفعال المستقبلة ، كقوله تعالى : إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ( فاطر : 14 ) لأنه جزاء فلا يكون إلا مستقبلا . ومثله : لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ( الحشر : 12 ) .
وقد ينفى المضارع مرادا به نفي الدوام ، كقوله تعالى : لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ( سبأ : 3 ) .
وقد يكون للحال كقوله تعالى : لا أقسم بيوم القيامة ( القيامة : 1 ) فلا أقسم برب المشارق ( المعارج : 40 ) فلا أقسم بمواقع النجوم ( الواقعة : 75 ) فلا وربك لا يؤمنون ( النساء : 65 ) .
وقوله : وما لكم لا تقاتلون ( النساء : 75 ) يصح أن تكون في موضع الحال ، أي ما لكم غير مقاتلين . وقيل : ينفى بها الحاضر على التشبيه بما ، كقولك في جواب من قال : زيد يكتب الآن : لا يكتب .
والنفي بها يتناول فعل المتكلم ، نحو : لا أخرج اليوم ولا أسافر غدا ومنه قوله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا ( الشورى : 23 ) . وفعل المخاطب ، كقولك : إنك لا تزورنا ، ومنه قوله تعالى : سنقرئك فلا تنسى ( الأعلى : 6 ) فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ( الرحمن : 33 ) .
وتدخل على الماضي في القسم والدعاء ، نحو : والله لا صليت ، ونحو لا ضاق صدرك .
وفي غيرها ، نحو : فلا صدق ولا صلى ( القيامة : 31 ) . والأكثر تكرارها ، وقد جاءت غير مكررة في قوله تعالى : فلا اقتحم العقبة ( البلد : 11 ) .
قال : لكنها مكررة في المعنى ، لأن المعنى : لا فك رقبة ، ولا أطعم مسكينا ، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك ، وقيل : إنه دعاء أي أنه يستحق أن [ ص: 304 ] يدعى عليه بأن يفعل خيرا . وقد يراد الدعاء في المستقبل والماضي ، كقولك : لا فض الله فاك ، وقوله : لا يبعدن قومي . الزمخشري
الثانية : نحو : لا تقم ولا يقم . وقال تعالى : أن تكون للنهي ينهى بها الحاضر والغائب ، لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( الممتحنة : 1 ) . لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( آل عمران : 28 ) . ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ( الكهف : 23 - 24 ) . لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ( آل عمران : 188 ) . لا يسخر قوم من قوم ( الحجرات : 11 ) . ولا تنابزوا بالألقاب ( الحجرات : 11 ) . يابني آدم لا يفتننكم الشيطان ( الأعراف : 27 ) . لا يحطمنكم سليمان ( النمل : 18 ) .
وتخلص المضارع للاستقبال ، نحو : ولا تخافي ولا تحزني ( القصص : 7 ) . وترد للدعاء ، نحو : لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( البقرة : 286 ) ولذلك قال بعضهم : لا الطلبية ليشمل النهي وغيره .
وقد تحتمل النفي والنهي كقوله تعالى : ألا تعبدوا إلا الله ( هود : 2 ) وما لكم لا تقاتلون ( النساء : 75 ) .
الثالثة : أي رد في الجواب ، مناقض لنعم أو بلى ، فإذا قال مقررا : ألم أحسن إليك ؟ قلت : لا أو بلى ، وإذا قال مستفهما : هل زيد عندك ؟ قلت : لا أو نعم ، قال تعالى : أن تكون جوابية ، ألست بربكم قالوا بلى ( الأعراف : 172 ) ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم ( الأعراف : 44 ) .
الرابعة : ولذلك اختصت بالدخول على الماضي ، نحو : [ ص: 305 ] أن تكون بمعنى لم ، فلا صدق ولا صلى ( القيامة : 31 ) أي لم يصدق ولم يصل . ومثله : فلا اقتحم العقبة ( البلد : 11 ) .
الخامسة : وتعطف بعد الإيجاب ، نحو : يقوم زيد لا عمرو ، وبعد الأمر ، نحو : اضرب زيدا لا عمرا ، وتنفي عن الثاني ما ثبت للأول ، نحو : خرج زيد لا بكر . أن تكون عاطفة تشرك ما بعدها في إعراب ما قبلها ،
فإن قلت : ما قام زيد ولا بكر ، فالعطف للواو دونها ، لأنها أم حروف العطف .
السادسة : : الأول بعد حرف العطف المتقدم عليه النفي أو النهي ، فتجيء مؤكدة له كقولك : ما جاءني زيد ولا عمرو ، وقوله تعالى : أن تكون زائدة في مواضع وما أموالكم ولا أولادكم ( سبأ : 37 ) . ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ( المائدة : 103 ) . وقوله : ولا الضالين ( الفاتحة : 7 ) .
قال أبو عبيدة : وقيل : إنما دخلت هنا مزيلة لتوهم أن الضالين هم المغضوب عليهم ، والعرب تنعت بالواو ، وتقول : مررت بالظريف والعاقل . فدخلت لإزالة التوهم . وقيل : لئلا يتوهم عطف الضالين على الذين .
ومثال النهي قوله تعالى : لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ( المائدة : 2 ) فلا زائدة ، وليست بعاطفة ، لأنها إنما يعطف بها في غير النهي ، وإنما دخلت هنا لنفي احتمال أن يكون المقصود نفي مجيئها جميعا ، تأكيدا للظاهر من اللفظ ، ونفيا للاحتمال الآخر ، فإنه يفيد النفي عن كل واحد منها نصا ، ولو لم يأت بـ " لا " ، لجاز أن يكون النفي عنهما على جهة الاجتماع ولكنه خلاف الظاهر ، فلذلك كان يقول ببقاء الزيادة أولى لبقاء الكلام بإثباتها على حالة عند عدمها ، وإن كانت دلالته عند مجيئها أقوى .
وأما قوله تعالى : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ( فصلت : 34 ) فمن قال : المراد أن [ ص: 306 ] الحسنة لا تساوي السيئة فـ " لا " عنده زائدة ، ومن قال : إن المراد أن جنس الحسنة لا يستوي إفراده ، وجنس السيئة لا يستوي إفراده - وهو الظاهر من سياق الآية - فليست زائدة ، والواو عاطفة جملة على جملة ، وقد سبق فيها مزيد كلام في بحث الزيادة .
وأما قوله تعالى : وما يستوي الأعمى والبصير ( فاطر : 19 ) الآية ، فالأولى والثانية غير زائدة ، والثالثة والرابعة والخامسة زوائد .
وقال : قد تجيء مؤكدة للنفي في غير موضعها الذي تستحقه كقوله تعالى : ابن الشجري وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ( غافر : 58 ) لأنك تقول : ما يستوي زيد ولا عمرو ، ولا تقول : ما يستوي زيد فتقتصر على واحد .
ومثله : ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور ( فاطر : 20 - 21 ) وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ( الأنبياء : 95 ) .
وقال غيره : لا هاهنا صلة ، لأن المساواة لا تكون إلا بين شيئين ، فالمعنى : ولا الظلمات والنور ، حتى تقع المساواة بين شيئين ، كما قال تعالى : وما يستوي الأعمى والبصير ( غافر : 58 ) ولو قلت : ما يستوي زيد ولا عمرو لم يجز إلا على زيادة لا .
الثاني : بعد أن المصدرية الناصبة للفعل المضارع ، كقوله تعالى : ما منعك ألا تسجد ( الأعراف : 12 ) .
وقيل : إنما زيدت توكيدا للنفي المعنوي الذي تضمنته : منعك بدليل الآية الأخرى : ما منعك أن تسجد ( ص : 75 ) .
وقال ابن السيد : إنما دخلت لما يقتضيه معنى المنع لا يحتمل حقيقة اللفظ ، لأن [ ص: 307 ] المانع من الشيء بأمر الممنوع بألا يفعل ، مهما كان المنع في تأويل الأمر بترك الفعل ، والحمل على تركه أجراه مجراها .
ومن هنا قوله تعالى : لئلا يعلم أهل الكتاب ( الحديد : 29 ) أي لئن يعلم ، لأن المعنى يتم بذلك . وقيل : ليست زائدة والمعنى عليها .
وهذا كما تكون محذوفة لفظا مرادة معنى ، كقوله تعالى : يبين الله لكم أن تضلوا ( النساء : 176 ) المعنى ألا تضلوا ، لأن البيان إنما يقع لأجل ألا تضلوا . وقيل : على حذف مضاف ، أي كراهة أن تضلوا .
وأما فجعلها على بابها حيث جاءت ، زعم أن الإنسان إذا فعل شيئا لأمر ما قد يكون فعله لضده ، فإذا قلت : جئت لقيام زيد ، فإن المعنى أن المجيء وقع لأجل القيام ، وهل هو لأن يقع أو لئلا يقع ؟ محتمل ، فمن جاء للقيام فقد جاء لعدم القيام ، ومن جاء لعدم القيام فقد جاء للقيام ، برهان ذلك أنك إذا نصصت على مقصودك ، فقلت : جئت لأن يقع أو أردت أن يقع ، فقد جئت لعدم القيام أي لأن يقع عدم القيام ، وهو - أعني عدم الوقوع - طلب وقوعه . وإن قلت : وقصدي ألا يقع القيام ، ولهذا جئت فقد جئت لأن يقع عدم القيام ، فيتصور أن تقول : جئت للقيام وتعني به عدم القيام . السيرافي
وكذلك قوله تعالى : يبين الله لكم أن تضلوا ( النساء : 176 ) أي يبين الضلال ، أي لأجل الضلال يقع البيان ، هل هو لوقوعه أو عدمه ؟ المعنى يبين ذلك .
وكذلك قوله تعالى : لئلا يعلم ( الحديد : 29 ) أي فعل الله هذا لعدم علمهم : هل وقع أم لا ؟ . وإذا علموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ، يبين لهم أنهم لا يعلمون ، فقوله : لئلا يعلم باق على معناه ، ليس فيه زيادة .
الثالث : قبل قسم كقوله : لا أقسم بيوم القيامة ( القيامة : 1 ) المعنى أقسم ، [ ص: 308 ] بدليل قراءة ابن كثير : " لأقسم " وهي قراءة قويمة لا يضعفها عدم نون التوكيد مع اللام ، لأن المراد بـ " أقسم " فعل الحال ، ولا تلزم النون مع اللام . وقيل : إنها غير زائدة ، بل هي نافية .
وقيل : على بابها ، ونفى بها كلاما تقدم منهم ، كأنه قال : ليس الأمر كما قلتم من إنكار القيامة فـ لا أقسم جواب لما حكي من جحدهم البعث ، كما كان قوله : ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( القلم : 2 ) جوابا لقوله : ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( الحجر : 6 ) لأن القرآن يجري مجرى السورة الواحدة . وهذا أولى من دعوى الزيادة لأنها تقتضي الإلغاء ، وكونها صدر الكلام يقتضي الاعتناء بها وهما متنافيان .
قال : وليست " لا " في قوله : ابن الشجري فلا أقسم بمواقع النجوم ( الواقعة : 75 ) وقوله : فلا أقسم برب المشارق ( المعارج : 40 ) ونحوه بمنزلتها في قوله : لا أقسم بيوم القيامة ( القيامة : 1 ) كما زعم بعضهم ، لأنها ليست في أول السورة لمجيئها بعد الفاء ، والفاء عاطفة كلمة على كلمة تخرجها عن كونها بمنزلتها في : لا أقسم بيوم القيامة ( القيامة : ) فهي إذن زائدة للتوكيد . وأجاز الخارزنجي في : لا أقسم بيوم القيامة ( القيامة : 1 ) ، كون لا فيه بمعنى الاستثناء ، فحذفت الهمزة وبقيت لا .
وجعل لا في قوله تعالى : الزمخشري فلا وربك لا يؤمنون ( النساء : 65 ) مزيدة لتأكيد معنى القسم كما زيدت في : لئلا يعلم لتأكيد وجوب العلم ، و لا يؤمنون جواب القسم ، ثم قال : فإن قلت : هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر " لا " في لا يؤمنون ؟
[ ص: 309 ] وأجاب بأنه يمنع من ذلك استواء النفي والإثبات فيه ، وذلك قوله : فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم ( الحاقة : 38 إلى 40 ) انتهى .
وقد يقال : هب أنه لا يتأتى في آية الواقعة فما المانع من تأتيه في النساء ؟ إلا أن يقال : استقر بآية الواقعة أنها تزاد لتأكيد معنى القسم فقط ، ولم يثبت زيادتها متظاهرة لها في الجواب .
السابعة : تكون اسما في قول الكوفيين ، أطلق بعضهم نقله عنهم . وقيل : إن ما قالوه ، إذا دخلت على نكرة ، وكان حرف الجر داخلا عليها ، نحو : غضبت من لا شيء ، وجئت بلا مال ، وجعلوها بمنزلة " غير " .
وكلام يقتضي أنه أعم من ذلك ، فإنه قال : جعلوا لا بمعنى غير لأنه يتعذر فيها الإعراب ، فوجب أن يكون إعرابها على ما هو من تتمتها ، وهو ما بعدها ، كقولك : جاءني رجل لا عالم ولا عاقل . ابن الحاجب
ومنه قوله تعالى : لا فارض ولا بكر ( البقرة : 68 ) وظل من يحموم لا بارد ولا كريم ( الواقعة : 43 - 44 ) وقوله : لا مقطوعة ولا ممنوعة ( الواقعة : 33 ) .