الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

5171 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن ؟ ) قلت : أنا يا رسول الله ! فأخذ يدي فعد خمسا ، فقال : ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ، ولا تكثر الضحك ; فإن كثرة الضحك تميت القلب ) . رواه أحمد ، والترمذي وقال : هذا حديث غريب .

التالي السابق


الفصل الثاني

5171 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يأخذ عني هؤلاء الكلمات ) أي : الأحكام الآتية للسامع المصورة في ذهن المتكلم ، وأي للاستفهام ( فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن ؟ ) : أو بمعنى الواو كما في قوله تعالى : عذرا أو نذرا ذكره الطيبي رحمه الله وتبعه غيره ، والظاهر أن " أو " في الآية للتنويع كما أشار إليه البيضاوي بقوله : عذرا للمحقين ، ونذرا للمبطلين ، ويمكن أن تكون " أو " في الحديث بمعنى " بل " إشارة إلى [ ص: 3237 ] الترقي من مرتبة الكمال إلى منصة التكميل ، على أن كونها للتنويع له وجه وجيه وتنبيه نبيه ، على أن العاجز عن فعله قد يكون باعثا لغيره على مثله كقوله : فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ( قلت : أنا ) أي : آخذها عنك ( يا رسول الله ) : وهذه مبايعة خاصة ومعاهدة خالصة ، ونظيره ما عاهد بعض أصحابه بأنه لا يسأل مخلوقا ، وكان إذا وقع سوطه من يده وهو راكب نزل وأخذه من غير أن يستعين بأحد من أصحابه . ( فأخذ بيدي ) أي : تحقيقا للقضية وتقريبا للخصوصية ( فعد خمسا ) أي : من الخصال ، أو من الأصابع على ما هو المتعارف واحدة بعد واحدة ، ( فقال : " اتق المحارم ) : وهي شاملة لجميع المحرمات من فعل المنهيات وترك المأمورات ( تكن أعبد الناس ) : إذ لا عبادة أفضل من الخروج عن عهدة الفرائض ، وعوام الناس يتركونها ويعتنون بكثرة النوافل ، فيضيعون الأصول ويقومون بالفضائل ، فربما يكون على شخص قضاء صلوات ويغفل عن أدائها ، ويطلب علما أو يجتهد عملا في صلوات وعبادات نفل ، أو يكون على أحد من الزكاة أو حقوق الناس ، فيطعم الفقراء أو يبني المساجد والمدارس ونحوها ، ولعل التعبير بالاتقاء اعتناء لجانب الاحتماء على قاعدة الحكماء في معالجة الداء بالدواء . ( وارض بما قسم الله لك ) أي : سواء يقع لك بواسطة مخلوق أو بغيرها ( تكن أغنى الناس ) : سأل شخص السيد أبا الحسن الشاذلي رحمه الله عن الكيمياء ؟ فقال : هي كلمتان : اطرح الخلق عن نظرك واقطع طمعك عن الله أن يعطيك غير ما قسم لك . وقال السيد عبد القادر الجيلي عليه رحمة الباري : اعلم أن القسم لا يفوتك بترك الطلب ، وما ليس بقسم لا تناله بحرصك في الطلب ، والجد والاجتهاد ، فاصبر والزم الحال وارض به ليرضى عنك ذو الجلال . ( وأحسن إلى جارك ) أي : ولو أساء إليك ( تكن مؤمنا ) أي : كاملا أو معطيا له الأمن لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه " أي : شروره وغوائله . ( وأحب للناس ) أي : عموما ( ما تحب لنفسك ) أي : مثل ما تحبه لك خاصة حتى تحب الإيمان للكافر والتوبة للفاجر ، ونحو ذلك . ( تكن مسلما ) أي : كاملا . وهذا الحديث أعم من حديث : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وقد استشهد الطيبي رحمه الله به ، فالأظهر فيما اعتضده حديث : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه " . ( ولا تكثر الضحك ) أي : تكن طيب القلب وحيا بذكر الرب ( فإن كثرة الضحك ) أي : المورثة للغفلة عن الاستعداد للموت وما بعده من الزاد للمعاد ( تميت القلب ) أي : إن كان حيا ويزيد اسودادا إن كان ميتا ( رواه أحمد ، والترمذي وقال : هذا حديث غريب ) .

وفي التصحيح للجزري : رواه الترمذي من حديث الحسن ، عن أبي هريرة ، والحسن لم يسمع من أبي هريرة . قال : وروى أبو عبيدة الباجي عن الحسن هذا الحديث قوله ، ولم يذكر عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقال المنذري بعد نقل قول الترمذي : الحسن لم يسمعها من أبي هريرة ، ورواه البزار والبيهقي بنحوه في كتاب الزهد له ، عن مكحول ، عن واثلة ، لكن بقية إسناده فيه ضعف ، ذكره ميرك . وفيه أن حديث الحسن اعتضد بحديث مكحول فترقى عن درجة الضعف ، مع أنه معتبر في فضائل الأعمال إجماعا .

[ ص: 3238 ]



الخدمات العلمية