الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5240 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو مضطجع على رمال حصير ، ليس بينه وبينه فراش ، قد أثر الرمال بجنبه ، متكئا على وسادة من أدم ، حشوها ليف قلت : يا رسول الله ! ادع الله فليوسع على أمتك ; فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله ! فقال : " أو في هذا أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " وفي رواية : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ " متفق عليه .

التالي السابق


5240 - ( وعن عمر رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ) بالإضافة أي : على رمال من حصير . قال شارح : الرمال بكسر الراء وضمها جمع رميل بمعنى مرمول أي منسوج ، ويستعمل في الواحد ، وهذا من إضافة الجنس إلى النوع كخاتم فضة ، والمراد بالحصير هنا المنسوج من ورق النخل انتهى . وقيل : الرمال ما ينسج عودا عودا ، والظاهر أن ضم الراء أشهر ولذا صاحب القاموس عليه اقتصر وقال : رمال الحصير كغراب مرمولة وفي النهاية : الرمال ما رمل أي : نسج قال الزمخشري : ونظيره الحطام والزكام لما يحطم ويزكم وقال غيره : الرمال جمع رمل بمعنى مرمول كخلق الله تعالى بمعنى مخلوقة ، والمراد أنه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير ، ذكره الطيبي رحمه الله ، لكن كون المراد برمال الحصير شريط السرير بعيد عند الفقير ، بل الظاهر أنه مضطجع على منسوج من حصير ( ليس بينه ) أي : بين النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ( وبينه ) أي : بين الحصير ( فراش ) أي : لا من القطن ولا من الحرير ( قد أثر الرمال بجنبه ) أي : من بدنه لا سيما عند كشفه من ثوبه ( منه ) أي : حال كونه معتمدا ( على وسادة ) أي : مخدة ( من أدم بفتحتين أي : جلد ( حشوها ) أي : محشو الوسادة ( ليف ) في القاموس : ليف النخل بالكسر معلوم ( قلت : يا رسول الله ! ادع الله فليوسع ) : بكسر السين المشددة وسكون العين ( على أمتك ) أي : فإنهم لا يطيقون متابعتك في تحمل محنتك فربما يتنفرون عن الميل إلى ملتك ( فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله ) وكان ابن الخطاب الناطق بالصواب الموافق رأيه للكتاب آخذا هذا المعنى من قوله تعالى : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الآية ومفهومها أنه ما وسع عليهم توسيعا كليا ولا ضيق على المؤمنين تضييقا كليا ، وإن كان ذلك مقتضى ظاهر العدل من تفسير الدارين بين الفريقين ، كما أخبر به صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " فالحكمة البالغة هي المانعة من ميل المؤمنين إلى طريق الكافرين وهي الحالة الوسطى بالنسبة إلى عموم الخلق ، وإن كانت المرتبة العليا بالإضافة إلى الخواص من الأنبياء والأولياء كمال الزهد في الدنيا والقناعة بأقل ما يتصور من متاعها ليكون تمتعهم تاما في العقبى .

[ ص: 3280 ] ( فقال ) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ( أو في هذا أنت ) بفتح الواو بعد استفهام إنكاري والمعطوف عليه مقدر أي : أتقول هذا الكلام وأنت إلى الآن في هذا المقام ، ولم يحصل لك الترقي إلى فهم المراء ؟ وقيل قدم الاستفهام لصدارته ، والواو لمجرد الربط بين الكلام السابق واللاحق ( " يا ابن الخطاب " ) ؟ قيل في خطابه بابن الخطاب دون عمر إيذانا بأن الالتذاذ بطيبات الدنيا من خصال ذوي الجهل والعمى ، وكأنه يقول : يا ابن ذلك المقيد بطيبات الدنيا الغافل عن نعيم دار العقبى ( " أولئك " ) : أي فارس والروم وسائر الكفار ( " عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " ) أي : كما أخبر الله في كتابه أنه ينكر عليهم يوم القيامة بخطابه حيث قال : ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون هذا ، وقد قال الطيبي رحمه الله ، قوله : ( فليوسع ) الظاهر نصبه ليكون جواب الأمر ، أي ادع الله فيوسع ، واللام للتأكيد ، والرواية الجزم على أنه أمر للغائب كأنه التمس من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الدعاء لأمته بالتوسعة ، وطلب من الله الإجابة ، وكان من حق الظاهر أن يقال : ادع الله ليوسع عليك ، فعدل إلى الدعاء للأمة إجلالا لمحله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإبعاد المنزلة من رسخ للنبوة أن يطلب من الله تعالى هذا الدنيء الخسيس لنفسه النفيس ، ومع ذلك أنكر عليه هذا الإنكار البليغ ، وقوله : أو في هذا ؟ مدخول الهمزة محذوف أي : فطلب هذا وفي هذا أنت ، وكيف يليق بمثلك أن يطلب من الله التوسعة في الدنيا ؟ ( وفي رواية : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا " ) أي : موسعة خاصة ( " ولنا الآخرة " ) أي : مرضعة خالصة ( متفق عليه ) . وروى ابن ماجه الرواية الأخيرة .




الخدمات العلمية