الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5259 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : أمرني خليلي بسبع : أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مرا ، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش . رواه أحمد .

التالي السابق


5259 - ( وعن أبي ذر قال : أمرني خليلي ) أي : حبيبي ورسولي ( بسبع ) أي : بسبع خلال ( أمرني بحب المساكين والدنو منهم ) ، أي : والقرب من حالهم ، أو التقرب من مآلهم ( وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ) أي : في الأمور الدنيوية ( ولا أنظر إلى من هو فوقي ) ، أي : في المال والجاه والمناصب الدنية ( وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ) ، أي : ولت بأن غابت أو بعدت ، والمراد أهلها ، ويؤيده حديث : " صلوا أرحامكم ولو بالسلام " . وقال الطيبي رحمه الله أي : وإن قطعت على ما ورد : صل من قطعك ، وأسند الإدبار إلى الرحم مجازا لأنه لصاحبها ( وأمرني أن لا أسأل ) أي : لا أطلب ( أحدا شيئا ) ، ومن دعاء الإمام أحمد : اللهم كما صنت وجهي عن سجود غيرك فصن وجهي عن مسألة غيرك ، ويمكن أن يكون أحدا على عمومه شاء على ما قاله بعض أرباب الكمال إلهي كفى علمك بالحال عن المقال وكرمك عن السؤال وهو المقام الجليل المأخوذ من حال الخليل حيث [ ص: 3293 ] قال له جبرائيل : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا . قال فسل ربك . قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي وهو معنى قوله تعالى حكاية عن قول أصحاب الجميل : حسبنا الله ونعم الوكيل وفي الحكم لابن عطاء الله : ربما استحيى العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاء بمشيئته فكيف لا يستحي أن يرفعها إلى خليقته ؟ ( وأمرني أن أقول الحق ) أي : أتكلم به ( وإن كان مرا ) ، أي : على السامع أو صعبا علي ( وأمرني أن لا أخاف ) أي : ظاهرا أو باطنا ( في الله ) أي : في حقه أو في سبيله ولأجله ( لومة لائم ) ، ملامة أحد من خلقه ( وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ) ، أي : للاستعانة على الطاعة وإصابة المصيبة ، والاستعانة على دفع المصيبة خصوصا العجب والغرور والمخيلة ( فإنهن ) أي : هذه الكلمات ( من كنز تحت العرش ) . أي : من جملة كنز معنوي موضوع تحت عرش الرحمن لا يصل إليه أحد إلا بحول الله وقوته ، أو كنز من كنوز الجنة لأن العرش سقفها ، وأبعد من قال فإنهن أي : الخصال السبع من كنز تحت العرش إذ لا طائل تحته ، بل ورد من طرق كثيرة وأخرجه الستة عن أبي موسى الأشعري ، وأحمد والبزار عن أبي هريرة ، والطبراني عن معاذ ، والنسائي عن أبي هريرة وأبي ذر أيضا مرفوعا : " قل لا حول ولا قوة إلا بالله ; فإنها كنز من كنوز الجنة " . واختلف العلماء في معناه فقيل : سمى هذه الكلمة كنزا ; لأنها كالكنز في نفاسته وصيانته من أعين الناس ، أو أنها من ذخائر الجنة أو من محصلات نفائس الجنة .

وقال النووي : المعنى أن قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة انتهى . ويحتمل أن يقال : إنها كنز من كنوز الجنة العاجلة : فمن قام بها وأدرك معناها واستمر على مبناها ، فإنه ظفر بكنز عظيم مشتمل على كنوز لا يعرف كنهها ومنتهاها ، فقد روى البزار عن ابن مسعود قال : كنت عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقلتها ، فقال : " تدري ما تفسيرها ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله " . قال النووي رحمه الله : هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك شيئا وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى انتهى ، فيكون صاحبها في ملك جسيم وكنز عظيم حال كونه حاضرا بقلبه مشاهدا فعل ربه بالنسبة إلى جميع خلقه ، فصح ما قال بعض العارفين في قوله تعالى : ولمن خاف مقام ربه جنتان جنة في الدنيا وجنة في العقبى ، وقال بعض الصوفية في معنى قول رابعة العدوية : استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير أرادت أن الاعتذار من الذنب مشتمل على ذنوب كثيرة تستحق أن تكون كبيرة من دعوى الوجود الأصلي ، ودعوى الفعل الحقيقي ، ودعوى الاقتدار الاستقلالي ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم إيماء إلى نفي ما سوى الله لا حول ولا قوة إلا بالله . ( رواه أحمد ) .




الخدمات العلمية