الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6150 - وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن بعض الناس في إمارته ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن كنتم تطعنون في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده " . متفق عليه . وفي رواية لمسلم نحوه وفي آخره : " أوصيكم به ، فإنه من صالحيكم " .

التالي السابق


6150 - ( وعن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا ) ، أي : أرسل جيشا ( وأمر ) : بتشديد الميم أي جعل أميرا ( عليهم أسامة بن زيد ، فطعن ) : بفتح العين من طعن كمنع في العرض والنسب ، وأما بالضم فبالرمح واليد ، ويقال : هما لغتان ، والمعنى فتكلم ( بعض الناس ) ، أي : المنافقون أو أحلاف العرب ( في إمارته ) بكسر الهمزة أي ولايته لكونه مولى ( فقال رسول الله ) : وفي نسخة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : ( " إن كنتم تطعنون في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه " ) : يشير إلى إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ( " من قبل " ) أي من قبل هذا أو من قبل إمارة ابنه قال الطيبي : قوله : فقد كنتم طعنتم هذا الجزاء إنما يترتب على الشرط بتأويل التنبيه والتوبيخ ، أي : طعنكم الآن فيه سبب ، لأن أخبركم أن ذلك من عادة الجاهلية وهجيراهم ومن ذلك طعنكم في أبيه من قبل نحو قوله تعالى : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ( " وأيم الله " ) : بهمز وصل ، وقيل : قطع أي : والله ( " إن " ) : مخففة أي الشأن ( " كان " ) ، أي : أبوه ( " لخليقا " ) ، أي : لجديرا وحقيقا ( " للإمارة " ) أي لفضله وسبقه وقربه مني ، وفي أصل المالكي : وأيم الله لقد كان ، وفي نسخة عنده إن كان خليقا فقد استعمل أن المخففة المتروكة العمل عاريا ما بعدها من اللام الفارقة لعدم الحاجة إليها . قال التوربشتي : إنما طعن من طعن في إمارتهما لأنهما كانا من الموالي ، وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي وتستنكف عن اتباعهم كل الاستنكاف ، فلما جاء الله بالإسلام ورفع قدر من لم يكن له عندهم قدر بالسابقة والهجرة والعلم والتقى وعرف حقهم المحفوظون من أهل الدين ، فأما المرتهنون بالعادة والممتحنون بحب الرياسة من الأعراب ورؤساء القبائل ، فلم يزل يختلج في صدورهم شيء من ذلك ، لاسيما أهل النفاق ، فإنهم كانوا يسارعون إلى الطعن وشدة النكير عليه ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعث زيد بن حارثة - رضي الله عنه - أميرا على عدة سرايا ، وأعظمها جيش مؤتة وسار تحت رايته في تلك الغزوة خيار الصحابة منهم : جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكان خليقا بذلك لسوابقه وفضله وقربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كان يبعث أسامة ، وقد أمره في مرضه على جيش فيهم جماعة من " مشيخة الصحابة وفضلائهم ، وكأنه رأى في ذلك سوى ما توسم فيه من النجابة أن يمهد الأمر ويوطئه لمن يلي الأمر بعده ، لئلا ينزع أحد يدا من طاعة ، وليعلم كل منهم أن العادات الجاهلية قد عميت مسالكها وخفيت معالمها . ( " وإن كان " ) ، أي : أبوه ( " لمن أحب الناس إلي وإن هذا " ) ، أي : أسامة ( " لمن أحب الناس إلي بعده ) أي بعد أبيه زيد ( متفق عليه ) .

وعند النسائي عن عائشة قالت : ما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم . قال بعض المحققين : فيه جواز إمارة المولى ، وتولية الصغار على الكبار ، والمفضول على الفاضل : قلت : ولعل تأميره مع تأمير ابنه وقع جبرا لما اختاره من عبوديته - صلى الله عليه وسلم - خيره ، فقد قال المؤلف : زيد بن حارثة أمه سعدى بنت ثعلبة من بني معن خرجت به تزور قومها ، فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية ، فمروا على أبيات من بني معن رهط أم زيد ، فاحتملوا زيدا وهو يومئذ غلام ، يقال : له ثمان سنين ، فوافوا به سوق عكاظ ، فعرض للبيع فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد لعمته خديجة بأربعمائة درهم ، فلما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهبته له ، فقبضه ثم إن خبره اتصل بأهله ، فحضر أبوه حارثة وعمه كعب في فدائه ، فخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين نفسه والمقام عنده ، وبين أهله والرجوع إليهم ، فاختار النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يرى من بره لإحسانه إليه ، فحينئذ خرج به النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحجر فقال : يا من حضر اشهدوا إن زيدا ابني يرثني وأرثه فصار يدعى زيد بن محمد إلى أن جاء الله بالإسلام ، ونزل : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فقيل له زيد بن حارثة ، وهو أول من أسلم من الذكور في قول ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر منه بعشر سنين ، وقيل : بعشرين سنة . وزوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولاته أم أيمن ، فولدت له أسامة ، ثم تزوج زينب بنت جحش بنت عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم طلقها لتكبرها عليه ، فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسم الله تعالى في القرآن أحدا من الصحابة غيره في قوله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن .

[ ص: 3974 ] روى عنه ابنه أسامة وغيره ، وقتل في غزوة مؤتة ، وهو أمير الجيش ، في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة .

( وفي رواية لمسلم نحوه ) ، أي : نحو الحديث المتفق عليه سابقا ( وفي آخرها ) ، أي : رواية مسلم ( " أوصيكم به " ) أي : بأسامة ( فإنه من صالحيكم ) . أي : ممن غلب عليه الصلاح فيما بينكم ، وإلا فكل الصحابة صالحون ، والخطاب لجماعة من الحاضرين أو المبعوثين معه .




الخدمات العلمية