الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6153 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " . رواه الترمذي .

التالي السابق


6153 - ( وعن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي " ) أي بعد فوتي وفي نسخة بعد موتي ( " أحدهما " ) وهو كتاب الله ( " أعظم من الآخر " ) : وهو العترة كما بينه بقوله : ( كتاب الله ) : بالنصب وبالرفع وهو أظهر هنا لقوله : ( حبل ممدود بين السماء والأرض ) أي قابل للترقي والتنزل كما مر بيانه وسبق برهانه ( وعترتي أهل بيتي ) : قال الطيبي في قوله : " إني تارك فيكم ، إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه يوصي الأمة بحسن المخالفة معهما وإيثار حقهما على أنفسهم كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده ، ويعضده الحديث السابق في الفصل الأول : " أذكركم الله في أهل بيتي " كما يقول الأب المشفق : الله الله في حق أولادي ، وأقول : الأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله ، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته ، الواقفون على طريقته ، العارفون بحكمه وحكمته ، ولهذا يصلح أن يكونوا مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال : ويعلمهم الكتاب والحكمة ويؤيده ما أخرجه أحمد في المناقب ، عن حميد بن عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر عنده قضاء قضى به علي بن أبي طالب ، فأعجبه وقال : الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت ، وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين عن محمد بن مسعر اليربوعي قال : قال علي للحسن : كم بين الإيمان واليقين ؟ قال : أربع أصابع . قال : بين . قال : اليقين ما رأته عينك ، والإيمان ما سمعته أذنك وصدقت به . قال : أشهد أنك ممن أنت منه ذرية بعضها من بعض ، وقارف الزهري فهام على وجهه فقال له زين العابدين : قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم عليه من ذنبك . فقال الزهري : الله أعلم حيث يجعل رسالته فرجع إلى أهله وحاله . ( " ولن يتفرقا " ) أي كتاب الله وعترتي في مواقف القيامة ( " حتى يردا علي الحوض " ) ، أي الكوثر . قال الطيبي : في تفصيل مجمل لحديث " ما " موصولة ، والجملة الشرطية صلتها ، وإمساك الشيء التعلق به وحفظه قال تعالى : ويمسك السماء أن تقع على الأرض وتمسك بالشيء إذا تحرى الإمساك به ، ولهذا لما ذكر التمسك عقبه بالمتمسك به صريحا وهو الحبل في قوله : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، فيه تلويح إلى قوله تعالى : ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه كأن الناس واقعون في مهواة طبيعتهم مشتغلون بشهوتهم ، وأن الله تعالى يريد بلطفه رفعهم فأدنى حبل القرآن إليهم ليخلصهم . من تلك الورطة ، فمن تمسك به نجا ، ومن أخلد إلى الأرض هلك ، ومعنى كون أحدهما أعظم من الآخر أن القرآن هو أسوة للعترة وعليهم الاقتداء به ، وهم أولى الناس بالعمل بما فيه ، ولعل السر في هذه التوصية واقتران العترة بالقرآن أن إيجاب محبتهم لائح من معنى قوله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فإنه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطا بمحبتهم على سبيل الحصر ، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - يوصي الأمة بقيام الشكر ، وقيد تلك النعمة به ، ويحذرهم عن الكفران ، فمن أقام بالوصية . وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة فيهما لن يفترقا ، فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتى يرد الحوض ، فشكر صنيعه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحينئذ هو بنفسه يكافئه والله تعالى يجازيه بالجزاء الأوفى ، ومن أضاع الوصية وكفر النعمة فحكمه على العكس ، وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله : ( " فانظروا كيف تخلفوني فيهما " ) والنظر بمعنى التأمل والتفكر أي : تأملوا واستعملوا الروية في استخلافي إياكم هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء . اهـ . وتجوله : تخلفوني بتشديد النون وتخفف . ( رواه الترمذي ) . ورواه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، ولفظه : " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " .

[ ص: 3976 ]



الخدمات العلمية