الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6246 - وعن جابر قال لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا جابر ، ما لي أراك منكسرا ؟ قلت : استشهد أبي وترك عيالا ودينا . قال : أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وأحيا أباك فكلمه كفاحا ، قال : يا عبدي تمن علي أعطك . قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية . قال الرب - تبارك وتعالى - : إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون فنزلت " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا " الآية رواه الترمذي .

التالي السابق


6246 - ( وعن جابر قال : لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا جابر ما لي أراك منكسرا " ) ، أي منكسر البال والخاطر ، يعني : مهموما حزينا مغموما ( قلت : استشهد أبي وترك عيالا ) ، أي : كثيرا ( ودينا ) ، أي : ثقيلا فاجتمع أسباب الحزن ، ( قال : أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك ، قلت : بلى يا رسول الله قال : " ما كلم الله أحدا قط " ) ، أي : قبل أبيك ففيه إيماء إلى أنه بخصوصه أفضل من سائر الشهداء الماضية حيث ما كلم الله أحدا منهم ( إلا من وراء حجاب ) فيه إشارة إلى أن قوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب الآية : مقيد بالدنيا لقوله : ( " وأحيا أباك فكلمه كفاحا " ) . بكسر الكاف أي مواجها عيانا ففي النهاية أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول . وقال شارح ، أي : كلم أباك من غير واسطة بينه وبين الله تعالى .

فإن قلت : كيف الجمع بين هذا الحديث ، وبين قوله تعالى : بل أحياء عند ربهم لأن التقدير هم أحياء ، فكيف يحيا الحي ؟ فقال المظهر : قيل : جعل الله تعالى تلك الروح في جوف طير خضر ، فأحيا ذلك الطير بتلك الروح ، فصح الإحياء ، أو أراد بالإحياء زيادة قوة روحه فشاهد الحق بتلك القوة . قال الطيبي : وهذا الجواب أيضا من الأسلوب الحكيم أي : لا تهتم بشأن أمر دنياه من هم عياله وقضاء دينه ، فإن الله تعالى يقضي عنه دينه ببركة نبيه ، ويلطف بعياله ، ولكن أبشرك بما هو فيه من القرب عند الله سبحانه وما لقيه به من الكرامة والمنحة .

[ ص: 4024 ] ( " قال : يا عبدي " ) : الخاص ( " تمن علي " ) ، أي : ما تريد ( " أعطك " ) ، أي : إياه مع المزيد ( " قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية " ) . خبر بمعنى الدعاء ، أي : أحيني حتى أستشهد في سبيلك مرة أخرى ليكون وسيلة إلى زيادة مرضاة المولى ( قال الرب - تبارك وتعالى - : إنه قد سبق مني أنهم " ) ، أي : الأموات ( " لا يرجعون " ) ، أي : إلى الدنيا بحيث أنهم يعيشون فيها مدة طويلة يعملون فيها الطاعات ، فلا ينافي وقوع إحياء بعض الأموات لعيسى وغيره ، والأظهر أن الضمير راجع إلى الشهداء ، ومعناه لا يرجعون بالتماسهم وتمنيهم ، فلا يشكل بشهيد الدجال أيضا . وقال السيد جمال الدين : قوله : إنهم أي أهل أحد أو مطلق الشهداء ، لئلا يشكل بقصة عزير ( " فنزلت " ) ، أي : في حقه وأصحابه من شهداء أحد ولا تحسبن بالخطاب مع فتح السين وكسرها أي : لا تظن أيها المخاطب ، وفي قراءة بالغيبة أي لا يحسبن حاسب ( الذين قتلوا ) : وفي رواية : قتلوا بالتشديد أي استشهدوا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل أي للمجاهدين وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( رواه الترمذي ) ، أي : وقال : حسن غريب .




الخدمات العلمية